يخربون بيوتهم بأيديهم

عاصم بكري الثلاثاء 28-07-2015 21:11

يخربون بيوتهم بأيديهم لكن يقينا ليس بأيدى المؤمنين، آية قرآنية وصفت أحوال بعض الكفار، بينما تنطبق الآن تماما على العديد من البلدان العربية التى يبدو قطاع من أهلها أكثر حرصا على تدميرها من ألد أعدائها وأشد شانئيها، الغريب أن يمتد الأمر إلى بعض الحكام الذين يفترض إطلاعهم على المعلومات المتكاملة بعد ترتيب وتصنيف يسهل من إدراكها وتبين معانيها ودلالاتها إلا أنهم ماضون فى غيهم نحو الدمار وكأنه الشجرة الملعونة أو المصير المحتوم الذى لا فرار من إغرائه الجهنمى، إقليميا تبدو مصر وحدها لاتزال فى رباطها رغم أنها كانت المستهدف الأكبر والهدف الأهم لهذا الدمار، والحمد لله منذ بداية الأزمة كان معظم قادتها على اختلافهم كمعظم شعبها على اختلافه فى رباط أيضا على مواقف وثوابت مصر الاستراتيجية طبعا، باستثناء جماعات التأسلم السياسى ومؤيديهم أو مخدوعيهم. هؤلاء الذى برز شذوذهم اللافت عن تلك الثوابت فى عدة مناسبات، واحد من أهمها ذلك المؤتمر الكريه الطائفى الذى وضعوا له عنوانا مخادعا (مؤتمر نصرة سوريا) أرادوا حينها أن يخرجوا بمصر عن حيادها الحساس والمؤثر وثباتها الانفعالى التام فى التصريحات والمواقف على السواء بشأن الوضع فى الشام وإدراكها الدقيق الواعى للأبعاد الخطيرة على المنطقة بأسرها إن هى اتخذت موقفا متطرفا من هذه الأحداث غلبت فيه أبعادا طائفية وجنحت فيه نحو تبعية سياسية أو استجابت فيه لأى إغراء مرحلى ماديا كان أو سياسيا، وفى هذا الصدد الأخير تحديدا كان بإمكانها أن تقبض أثمانا غالية على نحو (شبيك لبيك نحن ملك إيديك)، بل لعلها آثرت التناقض بشكل واضح مع مواقف دول صديقة بل حليفة ورفضت التذبذب أو التردد فى موقفها الاستراتيجى مهما ترتب على ذلك، بل حذرت مرارا وتكرارا من الاستجابة للدعوات الغربية والانقياد وراء النصائح أو الأوامر الأمريكية التى تهدف إلى تدمير المنطقة بأسرها من خلال تدمير الشام بصورة نهائية وهو ما تأمل مصر فى عدم حدوثه رغم كل هذه المقدمات والتفاصيل المأساوية للقصة السورية، ولم تستطع مصر أبدا أن تفهم أو تتفهم كيف يكون النظام السورى الحالى خارج الحل كما يدعى البعض، رغم أنه لايزال الطرف الأكبر والأقوى والأهم فى هذا الصراع طوال أربع سنوات، وهل كان بإمكانه ذلك الاستمرار لولا ظهير شعبى ينبغى دائما أن يكون فى الاعتبار، ثم الذين يسعون الآن لسقوط هذا النظام على نحو الانهيار الليبى مثلا وبقذائف وطائرات الناتو ألا يدركون أن المصير السورى حينئذ لن يختلف بحال عن المصير الليبى الذى اختفت فيه الدولة تماما ولن تعود، فما بالك والخلفية الطائفية حاضرة فى الشأن السورى، ألن يكون المصير المؤكد هو التفتيت وليس مجرد التقسيم ثم بعد ذلك كما كان يقال (تقسيم المقسم وتفتيت المفتت) وبالطبع مع ذلك التفتيت اللعين حروب مستمرة وحريق لا ينطفئ أبدا، ومع كامل الاحترام لليبيا فإن حدوث هذا لسوريا أمر مختلف بل هو بحق كارثة إقليمية تؤكدها ثوابت التاريخ وقواعد الجغرافيا.

الغريب أن المؤامرة لم تصبح كذلك لأن المؤامرة ينبغى أن تظل سرية أما أن يتم الإعلان عنها والتصريح بها بوثائق متعددة وأدلة بينة لم يستح فيها المتآمر من أن يشرح خطته وأن يستعرض أهدافها الدنيئة وأبعادها المشينة، فهذا يعنى أنها صارت حربا معلنة ولم تعد مؤامرة.

لكن للأسف بعض القادة فى أمتنا العربية تماما كبعض الناشطين المريبين يدعون عمى البصر وانكفاف البصيرة ويتغابون عن إدراك الحقائق البازغة تغابيا مستفزا لماذا؟ هذا ما لا أعرف له إجابة على الإطلاق، فإذا فسر البعض سلوك الناشطين المريبين على أنه خيانة تكشفها الاستفادات الشخصية المادية من هذه المواقف المعلنة أو نوع من التنفيس عن كراهية بغيضة متراكمة لاستقرار البلاد والعباد، فكيف نفسر سلوك هؤلاء القادة إلا بأنهم يخربون بيوتهم بأيديهم.