مازالت الرسائل تتوالى لمناقشة موضوع قانون تطوير الأزهر، وهل دوره هو تخريج طبيب ومهندس أم تخريج دعاة وشيوخ مستنيرين؟ الرسالة الأولى من د. أحمد عزت، الأستاذ بجامعة عين شمس، يقول فيها:
أتفق معك فى رؤيتك لضرورة تطوير جامعة الأزهر لتلعب دوراً محورياً فى التغير الشامل المطلوب للخطاب الدينى والاحتفاظ بالكليات التى تقدم العلوم الدينية المستنيرة بعد تنقيتها مما تراكم عليها والعودة إلى منابع الإسلام الصافية السمحة. أما بالنسبة للكليات الأخرى مثل الطب والعلوم والهندسة وغيرها فيتم ضم جميع فروع البنين تحت جامعة واحدة، كما اقترح الدكتور طارق الغزالى، تتبع المجلس الأعلى للجامعات، ويتم قبول الطلاب من الجنسين بغض النظر عن الديانة، كما تتم ترقيات أعضاء التدريس بها من خلال لجان القطاعات أسوة بباقى الجامعات الحكومية وذلك لرفع مستواها الأكاديمى، ويتم ضم فروع كليات البنات فى جامعة أخرى تخصص للطالبات فقط على غرار كلية البنات بجامعة عين شمس، حيث إن كثيرا من الأسر قد تفضل هذا النوع من التعليم، علما بأن جامعات وكليات تعليم البنات فقط لا تعتبر ردة وتخلفا، حيث توجد فى أمريكا ومعظم الدول الأوروبية تحت مسميات مختلفة مثل
Girls-only Colleges&women›s Universities.
الرسالة الثانية من د. يحيى طراف، أستاذ جراحة العظام بطب القاهرة، يقول فيها:
قرأت مقالك «قانون تطوير الأزهر وخطأ عبدالناصر»، والذى اعتبرت فيه أن قانون تطوير جامعــة الأزهر الذى صدر عام ١٩٦١ هو أكبر خطأ وقع فيه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. وقد يكون الأمر كذلك الآن، لكن ذلك لم يكن لائحاً فى الأفق آنذاك، ولم يكن أحد ليتخيل أن تؤول حالة الكليات المدنية بالأزهر إلى ما آلت إليه اليوم، ولو حدث العكس الذى كان مأمولاً لامتدحنا القانون. فالحكم على الأحداث بأثر رجعى بعد وقوعها سهل، ويختلف عن التنبؤ بها وهى بعد فى علم الغيب، ولو علم المرء الغيب لاستكثر من الخير، وما يحدد خطأ المرء فى فعل ما أو إصابته فيه هو نتيجته التى انتهى إليها، وليس كونه فعلاً خطأ أو صواباً فى حد ذاته. فهتلر أخطأ فى غزو روسيا، لا لشىء إلا لأنه انهزم، ولو نجح لاعتبر المؤرخون هذه الخطوة عبقرية حربية. ومدرب الكرة إذا فاز فريقه فقد أصاب فى طريقة لعبه والتغييرات التى أحدثها خلال المباراة، بينما لو خسر فريقه فقد أخطأ فى نفس طريقة اللعب والتغييرات، فالنتيجة النهائية هى التى تحدد الخطأ والتوفيق، لذا قيل «التاريخ يكتبه المنتصرون».
أما بالنسبة للكليات المدنية الأزهرية، فإن آثارها المدمرة لا تقف فقط عند ما ذكرته من تجاوزات طلبتها ومظاهراتهم الشرسة والعنيفة، لكن الأمر تجاوزهم إلى لفيف من أساتذة هذه الكليات، وبعض عمدائها، الذين لم يجدوا بأساً فى المشاركة فى الإرهاب عملياً، سراً وعلانيةً، وزعزعة الاستقرار داخل كلياتهم، فمنهم من يقبع فى السجون، ومنهم من ينتظر، وهذا أمر بالغ الخطورة. وهناك فريق منهم لا يمارس الإرهاب بيده، لكن يعضده بلسانه، ويحرض باستمرار على الدولة وعلى الشرعية، والنتيجة ما نرى هناك من مظاهرات وتخريب وعدم انتظام للدراسة. ولا يفوتنى هنا أن أؤكد أن الغالبية ممن أعرف من الأساتذة هناك مواطنون محترمون لا يخرقون القانون، لكن يرتع وسطهم وفى غفلة منهم هؤلاء المخربون من أعضاء الطابور الخامس، وما ذكرت من تفرقة عنصرية بين المسلم والمسيحى فى القبول بهذه الكليات المدنية هو بلاشك غير دستورى وغير إنسانى، لكننى أريد أن ألفت النظر كذلك إلى ذلك الوضع الشاذ غير المسبوق فى العالم كله، ألا وهو تقسيم الدراسة إلى فصول للبنين وأخرى للبنات!.
فجامعة الأزهر تنتظم مثلاً كليتين للطب البشرى، واحدة للبنين وأخرى للبنات، وتتبع كل كلية مستشفى جامعى خاص بها، اختاروا اسماً ذكرياً من التراث وهو مستشفى الحسين الجامعى لطب البنين، وآخر أنثوياً وهو الزهراء الجامعى لطب البنات، فلو جاز فى فصول الدين والشريعة والفقه فصل الطلاب البنين عن البنات، فهل يعقل هذا فى دراسة الطب والعلوم، الحل كما أراه هو إدخال بعض التعديلات على قانون تطوير جامعة الأزهر الصادر فى ١٩٦١، يقتضى فصل جميع الكليات المدنية عن جامعــة الأزهر الأم، وضمها معاً فى جامعــة مدنية مستقلة لا تتبع الأزهر ولا مشيخته، جامعــة مدنية مائة فى المائة، لا تمييز فيها بين مسلم ومسيحى، ولا بين ذكر وأنثى، شأنها فى ذلك شأن جميع الجامعات الأخرى فى مصر، وفى العالم.