بعيداً عن الجدل الدائر حالياً حول جدوى التفريعة الجديدة لقناة السويس، أو توقيتها، أو عائدها، أو أى شىء من هذا القبيل، نحن أمام إنجاز مؤكد، يتعلق بالعامل الزمنى، أى حجم ما تم إنجازه خلال عام، هو إنجاز سوف تسجله موسوعات بالتأكيد، إنجاز يتعلق بقدرة العامل المصرى، أو الإرادة المصرية، على تحقيق الهدف، قد تكون هناك استعانة بشركات أجنبية، أو خبرات متخصصة فى هذا الشأن، هو أمر طبيعى متعارف عليه عالمياً فى مثل هذه المشروعات الكبرى، قد تكون هناك استعانة بمعدات وآليات، بدراسات وأبحاث، كل ذلك كان بهدف سرعة الإنجاز، وهو ما تحقق بالفعل.
نحن إذن أمام إنجاز سوف يضيف إلى ثقة العامل المصرى بقدراته، وهى الثقة التى آن لها أن تنهض من جديد، بفعل ذلك المشروع الذى فقدت فيه مصر يوماً ما، خلال سنوات الحفر العشر ١٨٥٩- ١٨٦٩، نحو ١٢٥ ألفاً من خيرة أبنائها، وقت أن كان تعداد السكان حينذاك لا يزيد على أربعة ملايين نسمة، أى أن أكثر من نسبة ٣٪ من السكان راحوا ضحايا لإنجازه، ثم توالت إنجازات تطويره بعد ذلك فى عهود الرؤساء عبدالناصر، والسادات، ومبارك، بحفر العديد من التفريعات التى لم تأخذ حقها من الإعلان والإعلام، ناهيك عن أعمال التوسعة والتعميق التى كانت مستمرة طوال الوقت، والتى كان مقرراً أن تبلغ ذروتها هذا العام ٢٠١٥، ومن بين هذه التوسعات التى تم إنجازها بالفعل تفريعة البلاح بطول 8.9 كلم، وتفريعة كبريت بطول 7.0 كلم، وتفريعة البحيرات بطول 11.8 كلم، وتفريعة التمساح بطول 4.3 كلم، وتفريعة الدفرسوار بطول 8.4 كلم، ثم تفريعة بورسعيد الكبرى بطول 40.1 كلم، ثم ما نحن بصدده الآن، الدفرسوار-القنطرة بطول نحو ٣٥ كيلومتراً، وهو المشروع الذى كان مؤجلاً من قبل.
إلا أن الإنجاز الحقيقى هنا هو الذى من المقرر له أن يبدأ بمجرد الافتتاح، وهو المشروع القومى لتنمية محور القناة، لجعلها منطقة جذب لوجيستية، سوف تستوعب قدراً كبيرة من العمالة المحلية، وهذا هو الإنجاز الأكبر من إنجاز الحفر، فربما كان هناك من لا يتوقف كثيراً أمام مشروع الحفر فى حد ذاته، لأسباب خاصة بحسابات المكسب والخسارة، ومدى الحاجة إليه فى ذلك التوقيت، إلا أن استيعاب العمالة المصرية فى مشروعات كثيفة العمالة بعد ذلك، من المنتظر أن يحقق إضافة يشعر بها المواطن، وهو الأمر الذى يجعلنا نطالب بمزيد من المشروعات الحقيقية، التى تحقق عائداً مجزياً لخزينة الدولة والمواطن على السواء.
نحن إذن أمام فرصة حقيقية لتحقيق نهضة غير مسبوقة، هذه الفرصة تتمثل فى رغبة المواطن فى النهوض وتحقيق الإنجازات، أكدتها مسارعته للمساهمة فى الاكتتاب الخاص بحفر القناة، وأكدتها مسارعته للتبرع لحفل الافتتاح، كما أكدتها- وهو الأهم- تحقيق ذلك الإنجاز فى تلك الفترة الزمنية القصيرة، وها هى الفرصة مواتية الآن للإعلان عن المزيد من مشروعات المستقبل، مشروعات الأجيال المقبلة، وسواء كانت النهضة زراعية، أم صناعية، أم تكنولوجية، أم تنموية بصفة عامة، فإن ما يثير التفاؤل هو أن المزاج المصرى، فى معظمه، فى وضع التأهب لاستقبال مزيد من التكليفات، التى سوف يتفاعل معها بسرعة منقطعة النظير، خاصة إذا كانت على المستوى المأمول، فى صورة مشروعات قومية بحق.
الكرة الآن فى ملعب الحكومة، أو القيادة السياسية ككل، للدخول فى مشروعات تليق بحجم مصر، الإعلان عن خطط قصيرة وطويلة المدى يشعر من خلالها المواطن بأن هناك شيئاً ما يجرى على أرض الواقع، لنتذكر دائماً أن ذلك الإنسان المصرى هو الذى شيّد هذه الحضارة التى بهرت العالم على مدى آلاف السنين، الإنسان المصرى هو الذى حفر هذه القناة قبل نحو مائة وخمسين عاماً، هو الذى قرر الاعتماد على نفسه لتشييد السد العالى، قبل ما يقارب الخمسين عاماً، هو الذى حرر أرضه من المحتل الصهيونى، وها هو يستطيع النهوض مرة أخرى، عندما يجد السبيل إلى ذلك، والسبيل هنا هو القرار الوطنى.
هناك ملايين الأفدنة من الأراضى تنتظر السواعد المصرية لزراعتها وتعميرها، هناك شبه جزيرة سيناء، شمالاً وجنوباً، إلى جانب محور القناة، تنتظر التعمير والتهجير إليها من خلال مشروع قومى حقيقى، هو السبيل الوحيد للقضاء على الإرهاب والتهريب، وتجارة الممنوعات، من سلاح ومخدرات، وما شابه، هناك الكثير من المشروعات الخاصة بالسياحة، وتطوير الموانئ، وإعادة تشغيل آلاف المصانع المعطلة، هناك العشوائيات التى تنتظر اهتماماً من نوع خاص، هناك المؤجلات المزمنة، أو المتعثرة، بدءاً من تطوير مناهج التعليم، ومنظومة الصحة، وأوضاع الإعلام، والخدمات والمرافق، وخلافه.
على أى حال، كما هو واضح، فإن القائمة طويلة، إلا أن ما هو أكثر وضوحاً هو أننا بالفعل نستطيع، ولكن...!