عن تدهور العدالة (4)

نصار عبد الله السبت 25-07-2015 20:42

تدهور التعليم، هو أحد المنابع الرئيسة للتدهور في كل المجالات!.. يكفى أن ننظر إلى النتائج المحتملة لوجود خريج معين في تخصص ما مفتقر إلى الحد الأدنى من الإلمام بأساسيات تخصصه!!.. وما ينطبق في هذا المجال على الكثيرين من خريجى كليات عديدة ينطبق أيضاً على الكثيرين من خريجى كليات الحقوق (الذين سيتشكل منهم الجانب الأكبر والأهم من جسم منظومة العدالة).. فيما مضى وحتى منتصف القرن الماضى تقريبا كانت «الحقوق» من بين كليات القمة التي كثيراً ما كان يسعى إلى الالتحاق بها صفوة الطلاب وأكثرهم ذكاء وطموحا.. وهو ما أنتج لنا أفذاذاً في مختلف المجالات (لا أظن أنهم سيتكررون) بدءاً من مجالهم الأساسى وهو القضاء والمحاماة، وصولا إلى مجالات الفكر والفن والأدب والسياسة والثقافة بل والإعلام أيضا!!.. فيما بعد تحولت «الحقوق» بفضل الأعداد الغفيرة، التي أصبحت تقبل بها دون حساب أو ضابط، اللهم إلا الحسابات السياسية، تحولت من كلية للقمة إلى كلية للقاع! أو ما هو قريب من القاع، وأصبح من المألوف أن تضم بين صفوفها طلاباً ذوى قدرات نسبية أقل،

يحصلون على تعليم صورى تفرضه بالضرورة تلك الأعداد الغفيرة (يبلغ متوسط المقبولين بقطاع كليات الحقوق في السنوات العشر الأخيرة نحو خمسة وعشرين ألف طالب سنوياً، كما تبلغ نسبة النجاح بينهم في الفرق المختلفة أكثر من 80% وذلك مقابل ثلاثة آلاف فقط في خمسينيات القرن الماضى كانت نسبة النجاح بينهم لا تتجاوز 15% نتيجة لجدية الامتحانات وصرامة التصحيح!!).. وفى الوقت الذي لم تتضاعف فيه إمكانات قطاع الحقوق بنفس نسبة تضاعف أعداد المقبولين (فى الحقيقة لم تتضاعف الإمكانات أصلاً في كثير من الحالات بل إنها تقلصت أحيانا!!).. في الوقت الذي تقزمت فيه الإمكانات بالنسبة للمتطلبات، زادت الأوضاع سوءاً بفعل عامل آخر أساسى، هو أن مستوى التعليم ما قبل الجامعى نفسه قد تدهور!! فأصبح المستوى الحقيقى للملتحقين بالجامعة أقل بكثير من مستوى نظرائهم في الأجيال الماضية، رغم المجاميع المضللة التي قد تصل إلى 99% وأحيانا إلى 100% والتى نادراً ما تعبر عن مستوى علمى حقيقى لمن يحصلون عليها، وعندما كان يحدث في بعض السنوات أن يغامر وزير معين للتعليم بتكليف لجان امتحان الثانوية العامة بوضع أسئلة مبتكرة تقيس قدرة الطالب على الخروج من القوالب النمطية المحفوظة، فإنه كان دائماً يتعرض لثورة عارمة، سواء من الطلاب أو أولياء الأمور، سرعان ما تجبره على التراجع!! رغم أن نتائج الامتحانات الأصعب سوف تظل محافظة في محصلتها النهائية على نفس الفروق النسبية بين الطلاب، وبالتالى ستتيح للمتفوقين نفس فرص الالتحاق بالجامعة!! كل ما في الأمر أنها سوف تكون أصدق تعبيراً عن حقيقة المستوى العلمى حينما تدور درجات الأوائل مثلا حول 85 أو 90% بدلا من 100%، مع بقائهم على القمة كأوائل، يليهم من يجيئون بعدهم في الدرجات!! لكننا للأسف الشديد، ولأسباب كثيرة، قد تحولنا إلى مجتمع مدمن لخداع الذات، لم يعد يتقبل بسهولة أن مستوى المتفوقين من أبنائه يمكن أن يقل عن 99%!!، ويبدو أننا في هذا نتماهى مع الكثيرين من رؤسائنا، الذين عودونا على مدى عدة عهود أنهم كانوا يحصلون على 99% في الاستفتاءات التي كانوا يجرونها!! وأغلب الظن أنهم كانوا أيضاً من موقع خداعهم للنفس يصدقون أنهم فعلا حاصلون على هذه النسبة!!.. وللحديث بقية.

nassarabdalla@gmail.com