تشريعات الإعلام الحكومية التى حوّلت رؤوسنا إلى ملوخية

صلاح عيسي الجمعة 24-07-2015 21:06

فى تصريحات أدلى بها للمحررين البرلمانيين يوم الثلاثاء الماضى، قال المستشار إبراهيم الهنيدى، وزير العدالة الانتقالية والشؤون البرلمانية، مقرر لجنة الإصلاح التشريعى، إن مشروع قانون تطوير وهيكلة اتحاد الإذاعة والتليفزيون، الذى يجرى إعداده، يحتاج إلى عدة مراحل للوصول إلى صياغة نهائية له، وبالتالى فلن يعرض على مجلس الوزراء فى الفترة المقبلة، وفى السياق نفسه أشار الوزير إلى أنه تلقى من اللجنة الوطنية لإعداد تشريعات الصحافة والإعلام عدداً من مشروعات القوانين التى تنظم هذا الأمر، وأنه سيدعو المتخصصين لمناقشتها، موضحاً أنها قد تستغرق وقتاً فى إعدادها، لارتباطها ببعض التشريعات الأخرى.

وبصرف النظر عن أن هذه التصريحات تكشف عن عدم صحة كل ما أذيع من قبل، حول ما وُصف بأنه إنذار وجهه رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، إلى اللجنة الوطنية لإعداد تشريعات الصحافة والإعلام بأنها إذا لم تنته فوراً من إعداد مقترحاتها فسوف تتخذ الحكومة إجراءات استصدار مقترحات بمشروعات قوانين قدمتها جهات أخرى، من بينها مشروع قانون إعادة هيكلة ماسبيرو، فإن إعداد هذه المقترحات - التى يتوقع أن تنتهى منها اللجنة الوطنية خلال الأسبوعين القادمين - لا يعنى أنها ستصدر فور ذلك، إذ لايزال أمامها - كما أشار لذلك الوزير - مراحل أخرى تتطلب وقتاً.. ومشاكل وعراقيل تتطلب حلاً.

وكان وراء إلحاح الحكومة على الانتهاء من إعداد مشروعات القوانين المكملة للدستور، بشأن الصحافة والإعلام، كما أشرت من قبل، أسباب من بينها شكواها وشكاوى غيرها، مما يوصف بـ«الانفلات الإعلامى» وتسرعها بإلغاء وزارة الإعلام دون أن يحل محلها كيان يتولى إدارة الإعلام المرئى والمسموع الذى تملكه الدولة، أما أهم هذه الأسباب فهو شيوع اتجاه داخل الحكومة وداخل الجماعة الصحفية والإعلامية بأن الأفضل للطرفين ولحرية الصحافة والإعلام هو أن يتم إصدار هذه التشريعات بقرار بقانون من رئيس الجمهورية، قبل تشكيل مجلس النواب الذى لا يعرف أحد طبيعة تركيبته السياسية، خاصة أن معظم السوابق التاريخية تدل على أن المجالس النيابية تكون عادة أكثر كراهية وعداءً لحرية الصحافة والإعلام من الحكومات.

ولا أحد يعرف السبب الذى دفع الحكومة للعدول عن إلحاحها المتواصل على الإسراع بإعداد مشروعات هذه القوانين، ولعلها أدركت متأخراً أن المناخ السياسى القائم الآن غير ملائم بالمرة لصدورها، إذ هى تستند إلى المواد ذات الصلة بالحريات الصحفية والإعلامية التى وردت فى المواد 70 و71 و72 و211 و212 و213 من الدستور، وتنطلق مثلها من منزع ليبرالى صرف، يصعب تطبيقه فى ظروف وطن يواجه حرباً حقيقية ضد الإرهاب، ويسعى لاستصدار تشريعات لمكافحته، وللحيلولة بين الإرهابيين واستغلال الحريات العامة، لكى يواصلوا سفك الدماء وإشاعة الخراب.

ولعل ذلك هو ما دفع الحكومة، على لسان المستشار الهنيدى ليقول إنه لايزال أمام إصدار هذه التشريعات مراحل أخرى تتطلب وقتاً.. ومشاكل وعراقيل تتطلب حلاً.من بين هذه المشاكل والعراقيل، على سبيل المثال، أنه لا يوجد من الأساس ضرورة لإصدار قانون لإعادة هيكلة «اتحاد الإذاعة والتليفزيون»، لأن هذا الاتحاد سيلغى بمقتضى نص صريح فى المادة 213 من الدستور، التى تنيط إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وتطويرها وتنمية أصولها وحيادها والتزامها بأداء مهنى واقتصادى وإدارى رشيد، بهيئة تسمى «الهيئة الوطنية للإعلام»، والمفروض أن ما يتعلق بإعادة هيكلة ماسبيرو هو من اختصاص هذه الهيئة، وهو أمر ليس فى حاجة إلى قانون مستقل، إذ هو جزء من المواد القانونية الخاصة بهذه الهيئة، أو مواد ترد فى اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

وقد يفيد الذين يعنيهم أمر هذه الهيكلة أن يعلموا أن مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، الذى أعدته اللجنة الوطنية لإعداد تشريعات الصحافة، قد أخذ بفكرة توحيد القواعد القانونية التى تنظم أوضاع الصحف ووسائل الإعلام المملوكة للدولة، على أساس القواعد التى تدار على أساسها الصحف القومية، وينص هذا المشروع على أن تنشئ الهيئة الوطنية للإعلام عدة مؤسسات عامة، واحدة للإذاعة وأخرى للتليفزيون... إلخ، بحيث تختص كل مؤسسة منها بأحد الأنشطة التى تتبع هذه الهيئة، وتنتقل إليها القطاعات والشركات الحالية التى تنشط فى المجال نفسه، ويكون لكل منها - كما هو الحال فى الصحف القومية - مجلس إدارة، يتكون من أعضاء تعين بعضهم الهيئة باعتبارها مالك المؤسسة، ويجرى انتخاب البعض الآخر بحيث يمثلون العاملين فى المؤسسة، من الإعلاميين والإداريين والفنيين، كما يكون لكل منها جمعية عمومية تراقب مجلس الإدارة، وتتكون من أعضاء معينين وأعضاء منتخبين.. على أن تدار كل هذه المؤسسات انطلاقاً من المادة 72 من الدستور.. التى تلزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص فى مخاطبة الرأى العام!

والسؤال الآن: هل اطلعت الحكومة التى تتولى وضع مشروع قانون إعادة هيكلة اتحاد الإذاعة والتليفزيون على مواد الدستور ذات الصلة بالصحافة والإعلام عموماً.. وبالإعلام المملوك للدولة خصوصاً؟ وإذا كانت قد فعلت فلماذا تعد قانوناً لإعادة هيكلة اتحاد قضى الدستور بانتهاء عمره وزمنه والفلسفة التى قام عليها؟

ويا أسيادنا الذين فى الحكومة: خليتوا دماغنا ملوخية!