ثلاثة أيام عشناها نحن المصريين- من يوم 13 إلى 15 مارس الماضى ونحن غارقون فى التفاؤل والأمل مستبشرون بما سوف يسفر عنه مؤتمر شرم الشيخ لدعم الاقتصاد المصرى والذى كان قد دعا إليه العاهل السعودى الراحل «عبدالله ابن عبدالعزيز» متطلعون لنقلة فعلية تأخذنا من دوامة الركود لآفاق الاستثمارات التى ستجعل المليارات تلهث خلفنا وتترجانا أن ننفقها فى العز والوز والرغد والنعيم، كان كل يوم من هذه الأيام الثلاثة يحمل إلينا بشرى بمشروعات كبرى وصفقات بأرقام فلكية واستثمارات متدفقة ومذكرات تفاهم وعقود ومنح وقروض وودائع وغيرها من الأمور المبهجة التى تنافست القنوات الفضائية والصحف فى أن تنعش بها آمالنا وتثلج صدورنا وترسمها أمام عيوننا كقاعدة انطلاق لاقتصاد واعد لمصر، كانت المليارات تنزل على أسماعنا حلوة مهدئة للأعصاب، تعطى انطباعا بأننا بتنا أهلا لها وباتت ملكا لنا نستثمرها ونبنى بها قطاعات الكهرباء والإسكان والسياحة والطاقة والبترول... إلخ فهذه اتفاقيات بحوالى 110مليارات دولار لبناء العاصمة الإدارية الجديدة وتطوير القطاعات السالفة الذكر، وهذه تصريحات لرئيس الوزراء المهندس محلب تؤكد أن حصيلة مصر من المؤتمر الاقتصادى بلغت 60 مليار دولار فضلا عن تعهدات خليجية بدعم مصر بحوالى 12,5 مليار دولار وهذه صور لوزراء الاستثمار والتعاون الدولى والبترول والصناعة والتجارة وهم يقابلون الوفود الأجنبية المشاركة، وتلك نتائج بشرتنا بها مجموعة «هيرميس» أكبر بنوك الاستثمار التى روجت لمشروعات قمة شرم الشيخ وقد كشفت أن إجمالى مكاسب مصر من المؤتمر الاقتصادى وصلت إلى 182 مليار دولار، والخلاصة أحسسنا بحراك لم نشهد له مثيلا وشاهدنا بأم أعيننا نجاح المؤتمر وصفقنا له وهللنا وكدنا الأعادى وغظنا الحاقدين والحاسدين وقلنا بملء أفواهنا الحمد لله على سلامتك يا مصر خاصة بعد أن أكد لنا رئيس الوزراء- لا حرمنا الله من تأكيداته- أن مصر قد حققت المراد من المؤتمر ولم يبق لنا سوى أن نبذل جميعا الجهد والعرق من أجل إنجاح التجربة الجديدة، كما التزم سيادته أمامنا بتشكيل فريق عمل من رجال وزارة الاستثمار لمتابعة تنفيذ المشروعات المتفق عليها ليس بشكل يومى فقط وإنما فى كل ساعة.
على هذا الحال انتهى المؤتمر ووضعنا فى بطوننا كل البطيخ الصيفى ثم نزل الستار ولا حس ولا خبر وكأننا كنا أمام رواية أعدت لغيرنا ومثلت لغيرنا وشاهدناها نحن لمجرد أن ندفع فاتورة الفرجة، كأننا كنا نحلم فقط لمجرد الحلم، ولابد من أن نستيقظ سريعا على كابوس الواقع المر الذى لا يتغير أبدا وتعودنا ألا يبقى لنا منه سوى عض الأصابع ندما على السيئ الذى مر وخوفا من الأسوأ القادم فى المستقبل القريب، وبقيت أمامنا من حصاد هذا المؤتمر أسئلة لا نعرف من سيجيبنا عنها وهى: أين اللجنة التى كلفها رئيس الوزراء لمتابعة مشروعات المؤتمر الاقتصادى؟ وهل تعمل يوميا أم كل ساعة أم أنها تتقاضى كالعادة أجورا على أنها لا تفعل شيئا؟ وأى هذه المشروعات بدأ تنفيذه وأيها تعطل مؤقتا وأيها توقف نهائيا؟ ثم ما هو مصير المليارات التى قيل لنا وقتها بأنها فى الطريق إلينا؟ وهل فتحت لنا فعلا بوابات الاستثمار والتنمية ووفرت فرص العمل للشباب كما تصورنا أو صور لنا؟ أين العاصمة الإدارية المنتظرة؟ ولماذا لم يتم العمل فيها حتى هذه اللحظة؟ وإذا كانت هناك نية لإنشائها فمن هم المنوط بهم إعداد الدراسات المتعلقة بهذه العاصمة الجديدة؟ وما هى مصلحتنا فى أن يكون منفذ المشروع غير مصرى؟.
أكثر ما يدعو للقلق أنه منذ نهاية المؤتمر الاقتصادى إلى يومنا هذا وجدنا الصمت هو سيد الموقف حتى كدنا نعتقد أن ما جرى فى مارس فى شرم الشيخ تحول إلى ذكرى جميلة قد لا نشم رائحتها العطرة إلا العام القادم وفى نفس الموعد عندما تنطلق فعاليات المؤتمر الاقتصادى الجديد، أكثر ما يدعو للقلق أننا كنا أمام تجربة رائدة ومتميزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى لكن جمالها أوشك على الاندثار لغياب الشفافية وعدم وضوح الرؤى مما أدى لحدوث فتور فى المزاج الشعبى وانحصار للأمل فيما قد يعود علينا من نفع نتيجة هذا المؤتمر حتى كدنا نقول لبعضنا البعض لقد بشرونا بالنخل فهنيئا لنا بالبشرى، لكن أين البلح؟.