والدا الرسول ليسا فى النار

أيمن الجندي الجمعة 24-07-2015 21:08

يشتهر بين عموم المتدينين حديث يقول إن رجلا سأل الرسول: «أين أبى؟». فقال: «فى النار». فلما ولّى الرجل قال عليه السلام «إن أبى وأباك فى النار».

وفى الصحيح أيضا أنه قال: «استأذنت ربى فى زيارة قبر أمى فأذن لى، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لى». وقال أيضا إنه حين أراد أن يستغفر لأمه ضرب جبريل عليه السلام فى صدره، وقال له: «لا تستغفر لمن كان مشركا». فرجع وهو حزين.

يقول الشيخ محمد أبوزهرة فى كتاب «خاتم النبيين» معقبا:

لا شك أن الخبر الذى يقول إن أبوى الرسول عليه الصلاة والسلام فى النار خبر غريب فى معناه، كما هو غريب فى سنده. لأن الله تعالى يقول: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا»، وقد كان أبو محمد عليه الصلاة والسلام وأمه على فترة من الرسل فكيف يُعذبان؟ إن هذا مخالف للحقائق الدينية. لقد مات أحدهما قبل أن يبرز الرسول إلى الوجود، وماتت الأخرى وهو غلام لم يُبعث رسولا! ولذلك كان الخبر الذى يقول إنهما فى النار مردودا لغرابة سنده أولا، ولبعد معناه عن الحقيقة ثانيا.

وليس استغفار الرسول لوالديه كاستغفار إبراهيم لأبيه الذى نُهى عنه، لأن أبا إبراهيم قد خوطب برسالة إبراهيم فعلا، فهو مكلف أن يؤمن بالله ويكفر بالأوثان.

وفى الحق أنى ضُرّست فى سمعى وفهمى عندما تصورت أن عبدالله وآمنة يدخلان النار. لأنه عبدالله الشاب الصبور الذى رضى بأن يُذبح لنذر أبيه وتقدم راضيا. وهو الذى كان عيوفا عن اللهو والعبث، وهو الذى برزت إليه المرأة تقول «هيت لك» فيقول لها «أما الحرام فالممات دونه». ولماذا يُعاقب بالنار وهو الذى لم تبلغه دعوة رسول وقد نفى الله تعالى العذاب إلا بعد أن يرسل رسولا؟ ولم تكن الرسالة قد وجدت، ولم يكن الرسول قد بُعث!ّ

وأما الأم الرؤوم الصبور التى لاقت الحرمان من زوجها فصبرت، ورأت ولدها يتيما فقيرا فصبرت، أيتصور عاقل أن تدخل هذه النار من غير أن يكون ثمة رسالة تهديها ودعوة إلى الوحدانية توجهها؟

إنى ضُرّست لا لمحبتى للنبى فقط وإن كانت كافية، ولكن لأن قصة آمنة جعلتنى لا أستطيع أن أتصور هذه الصبور معذبة بالنار، وقد شبهتها بالبتول مريم لولا أن الملائكة لم تخاطبها.

وخلاصة القول وهو ما انتهينا إليه بعد مراجعة الأخبار فى هذه المسألة أن أبوى محمد فى فترة، وأنهما كانا قريبين إلى الهدى وإلى الأخلاق الكريمة التى جاء به شرع ابنهما من بعد، ونعتقد أنه بمراجعة النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة لا يمكن أن يكونا فى النار. فأمه المجاهدة الصبور الحفية بولدها لا تمسها النار لأنه لا دليل على استحقاقها، بل الدليل قام على وجوب الثناء عليها وهى وزوجها الذبيح الطاهر.

وما انتهينا إلى هذا بحكم محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كنا نرجوها ونتمناها ولكن بحكم العقل والمنطق والقانون الخلقى المستقيم والأدلة الشرعية القويمة ومقاصد الشريعة وغاياتها.

انتهى كلام الشيخ العلّامة صاحب الفطرة المستقيمة والقلب السليم. وهكذا يرشدنا أبوزهرة إلى أهم قاعدة: أيا كان السند ومهما بلغت عدالة الرواة، فإن الخبر الذى يتعارض مع الإنسانية الحقة التى جعلها الله فينا فطرة، لا يمكن أن يكون صحيحا مهما كانت قوة الأسانيد.

elguindy62@hotmail.com