المروجون للسياحة داخل البلد، وخارجه، هم أحوج الناس إلى أن يعملوا على أسس مختلفة عما كنا نعمل عليها من قبل، وهى أسس تبدأ من إدراك أن السياحة عندنا ليست فقط الأهرامات وأبوالهول فى الجيزة، ولا هى فقط أيضاً معابد الكرنك، والأقصر، وفيلة، فى الجنوب، ثم تنتهى عند اليقين بأن لدينا بخلاف ذلك ما نقدمه للسائح، وما نبيعه له إذا جاءنا!
هنا.. لابد أن أذكر الدكتور عبدالقادر حاتم، الذى غادرنا قبل العيد بأيام، فلقد كان صاحب عقلية سياحية فريدة، إذا جاز أن نصف رجلاً بأن عقليته سياحية، وكان يرحمه الله، هو الذى أنشأ أو أسس، أو أشار، بكثير من الكيانات السياحية الموجودة حولك، فى أكثر من مكان، بامتداد الجمهورية.
وعندما جاء الحبيب بورقيبة، فى زيارة لمصر، فإنه استأذن عبدالناصر فى أن يأخذ الدكتور حاتم معه إلى تونس لبعض الوقت، ليشرح لهم هناك كيف تكون السياحة، وكيف تتأسس، وتنشأ، وتكبر، ثم تكون لها سوق!
وإذا كنت أنت قد ذهبت إلى تونس، ثم إلى ساحل سوسة فيها، فلابد أنك قد أدهشك هذا الحجم الهائل من المنشآت السياحية فى كل اتجاه، ولابد أنك سوف تتساءل: متى بنى الإخوة التوانسة هذا الشاطئ وغيره من الشواطئ، ومتى جهزوها بهذه الطريقة الرائعة؟ ولابد كذلك أنك سوف تفاجأ حين تعلم أن «حاتم» كان له دور مبكر فى هذا كله، وكان كل تونسى من أيام بورقيبة، إلى الآن، يقرّ بفضل الرجل، ويحمل له تقديراً من نوع خاص.
كان «حاتم»، كما سمعت منه كثيراً، يدرك أن بترول مصر، إذا صح أن يكون لنا بترولنا، هو آثارنا وثقافتنا، بوجه عام، ثم سياحتنا بوجه خاص، وكان قد ذهب يوماً يسأل وزيراً ألمانياً من أهل الاختصاص عما يجب أن نقدمه للسائح، ونغريه به، إذا زارنا.. ولم يأخذ الوزير الألمانى وقتاً ليفكر فى الإجابة، وإنما قال للدكتور حاتم بشكل تلقائى: بيعوا الشمس!
ثم راح يشرح فكرته، وكيف أن السائح الذى يزور الأهرامات، وأبوالهول ومعابد الكرنك، والأقصر، وفيلة، فى محافظتى أسوان والأقصر، ويزور غيرها من آثارنا، لن يكون فى حاجة إلى أن يزورها مرة أخرى، لأنه زارها وانتهى الأمر، ولأن الإنسان فى الغالب يكفيه أن يرى الأهرامات، مثلاً، أو أى أثر آخر، مرة واحدة فى حياته.. فما الذى، إذن، يمكن أن يغريه بأن يعود للبلد، مرة، ومرتين، وعشراً.. بل وعشرين.. إنها شمس مصر فى الشتاء خصوصاً، وفى الصيف أيضاً على شواطئنا الممتدة شمالاً وشرقاً!
الرهان بالتالى يظل على قدرتنا على أن نبيع شمسنا للسائح، وأن نبيع له إلى جوارها أشياء أخرى، وأن نجعله لا يشبع من التمدد على كل شاطئ عندنا، وهذا كله لا يأتى بفهلوة، ولكنه يأتى ببرنامج عمل، ورؤية متكاملة، وسوف أعود إليهما بإذن الله.