يامين يقولى أهوى

مكاوي سعيد الخميس 23-07-2015 21:25

فى أوائل شهر سبتمبر من عام 1940 كانت المطربة أسمهان تمر بالقرب من ترعة الساحل الموجودة فى مدينة «طلخا» حاليا، وهى بداخل سيارتها تتمرن على أداء قصيدة أبى العلاء المعرى «غير مجدٍ» التى لحنها لها الشيخ «زكريا أحمد» استعدادًا لغنائها فى اليوم التالى بالإذاعة، وعلى حين غرة سمعت صوت آلة ضخ بخارية تعمل على الترعة؛ فارتعبت وألقت بالقصيدة، وبعدما هدأت قالت لزميلها فى السيارة الأستاذ محمد التابعى: كلما سمعت مثل هذه الدقات تخيلت أنها دفوف جنازة. ويشاء القدر أنها بعد أربع سنوات فى 14 يوليو 1944 تنحرف بها السيارة وتسقط فى نفس الترعة، حيث لقيت مع صديقتها «مارى قلادة» حتفهما، بينما لم يصب السائق بأى أذى وهرب واختفى نهائيا، مما ألقى شكوكًا كثيرة على الحادث، ووجهت أصابع الاتهام نحو المخابرات الإنجليزية والألمانية وزوجها الأول حسن الأطرش وشقيقها فؤاد الأطرش وزوجها الثالث الممثل أحمد سالم ومنافستها المطربة أم كلثوم، ومثلت أسمهان فى فيلمين هما: «انتصار الشباب» و«غرام وانتقام»، ولها مجموعة من الأغنيات الرائعة، منها «ليالى الأنس فى فيينا» و«يا مين يقولى أهوى»، وقد دفنت بالقاهرة فى منطقة البساتين، ودفن جوارها بعد ذلك شقيقها الموسيقار الكبير «فريد شوقى» والشقيق الأكبر فؤاد الأطرش، والمدفن تتصدره صورة فوتوغرافية كبيرة لفريد الأطرش وهو ممسك بعوده الشهير الذى عزف عليه أغنية «لحن الخلود».. ولأسمهان وفريد معجبون كُثر فى شتى أنحاء العالم، منهم الكاتب المغربى العربى «أمازيغى الأصل» محمد شكرى الذى لم يتعلم القراءة والكتابة إلا وهو ابن العشرين، وعاش حياته صعلوكا، وكتب روايته الرائعة «الخبز الحافى» وبعض الأعمال التى ترجمت إلى كل اللغات، والتى كشفت للعالم عن عوالم مسكوت عنها،

كعالم البغايا والسكارى والمجون والأزقة الهامشية الفقيرة، وتتطرق لموضوعات «محرمة» فى الكتابة الأدبية العربية، وقد عاش محمد شكرى فى مدينة طنجة بالمغرب ولم يغادرها إلا نادرًا، وهناك زاره صديقنا الروائى العمانى الراحل الجميل «على المعمرى»، والذى كان متيمًا بكتابات محمد شكرى، ولما علم محمد شكرى- المتيم بصوت فريد وأسمهان- أن «علىّ» يقيم بمصر فقد رجاه أن يحضر له حفنة تراب من قبريهما، وعاد «على» إلى مصر ليحقق أمنية محمد شكرى، وعاونه فى ذلك الصديق الشاعر «يوسف وهيب» ودفعا مبلغًا طائلًا، لأن التربى أخبرهما بأنه مؤتمن على هذا التراب المصرى حتى لان أخيرًا، ووضع «على» كل حفنة فى جراب صغير كتب عليه اسم المصدر، ثم سافر أمريكا قبل العروج على طنجة لكى يطمئن على زوجته، وكان ذلك فى عام 2001 عقب اكتشاف عمليات إرهاب بيولوجى تتم عبر البريد لنشر «الجمرة الخبيثة» واشتبهوا طبعا فى «على» الشرق أوسطى الذى يحمل مواد غريبة، ولم يشفع له أنه متزوج من أمريكية ولا أنه كان يقيم بأمريكا ولا أنه مدرس بالجامعة الأمريكية فى مصر، وكانت مشكلة كبرى انتهت أخيرًا بخير وسمحوا له بالسفر بحفنتى التراب، وقد تهلل وجه محمد شكرى وهو يتسلمهما ويقبلهما ويضعهما بجوار سريره، هذا الكاتب العالمى أمازيغى الأصل كان حلمه أن يتلمس حفنة من تراب فنانين أحبهما وأسعده صوتهما.. وبعضهم يسأل: ما ضرورة الفن؟!