هناك ناس تعشق الاعتراض بغض النظر عن المصلحة العامة!.. هكذا كانت هبة «المثقفين» لقرار وزير الثقافة بالتصنيف العمرى للأعمال السينمائية، رغم أنه نظام قائم منذ عقود بأوروبا وأمريكا على السينما والتليفزيون!.. رغم رفضى الشديد- ومازلت- على أن يكون وزير الثقافة أزهرياً، إلا أننى أوافقه تماما فى هذا القرار.. حتى لو كانت الأعمال السيئة تعرف طريقها إلى شبابنا من خلال الإنترنت كما يقولون، فلابد أن تقوم الدولة بدورها الإصلاحى تجاه المجتمع!.. التنوير ليس بإتاحة القبيح، ولكن بإتاحة الجديد المفيد.. زمان كانت القناة الثانية بالتليفزيون مصدراً ثقافياً للشباب، أما السينما فكانت تنقل الواقع الجميل الذى يحتذى به الجميع.. كان للسينما وللتليفزيون والراديو دور تنويرى يقومون به على أكمل وجه، وكان أثره يظهر بوضوح فى الشارع، فكانت السيدات لبسهم شيك والشباب مثقفين وألفاظهم شيك، وكان المبدعون يظهرون فى جميع المجالات.. ظهرت الفضائيات متاجرة بكل شىء فلم تستطع أن تستكمل مسيرة التنوير من التليفزيون المصرى.. يكفى أن تقارن مستوى ثقافة القائمين على التليفزيون المصرى زمان بمستوى القائمين على معظم الفضائيات الآن لتعرف السبب.. قارن أيضا مستوى ثقافة منتجين زمان بمستوى ثقافة معظم المنتجين الحاليين لتعرف أين تكمن المشكلة.. عندما انقلبت الآية فأصبح القبح سلعة أصبح المجتمع فى تدهور لا يتوقف.. أذكر أننى تحدثت مع فنان كبير عن المبالغة فى إظهار مشاهد الإدمان فى مسلسلات رمضان فأجابنى «معلش علشان ولادنا!».. فتعجبت وتساءلت هل المقصود أن نحمى أولادنا أم أن نعلم أولادنا الإدمان؟..
جميع القائمين على المسلسلات لم يضعوا فى اعتبارهم أن هناك شعرة بين تحذير الشباب وإثارة فضولهم، وللأسف إن الاستغراق فى عرض تفاصيل مشاهد التعاطى ربما أثار الفضول لدى الشباب أكثر من إثارته لأى اشمئزاز!.. لذلك أسأل المثقفين المعترضين على التصنيف العمرى: إنتوا عايزين البلد تروح على فين؟.. باستثناء مسلسلات حارة اليهود وبعد البداية وحق ميت، فجميع المسلسلات كانت سوداء قاتمة، تعلم شبابنا الإدمان والعنف وتعلم بناتنا الفجور ولم تختلف عنها أفلام العيد، فهل هذا هو ما يريدونه كأمثلة يقتدى بها شبابنا؟.. ماذا قدم المثقفون لتطوير المجتمع من حولهم فى ظل الحراك الحالى؟.. إنهم غارقون فى عبادة ذاتهم بعكس مثقفين زمان، فأصبحوا لا منهم ولا كفاية شرهم!.. أيضا انتفض بعض النقاد والكتاب رفضاً لاستياء الرئيس من محتوى بعض المسلسلات، وكأن الرئيس ليس أبا ومن حقه أن ينزعج من تلك المسلسلات، مثلما انزعج جميع الآباء والأمهات.. الفنانون بجهل شديد يتلككون بحرية الإبداع، فهل الإبداع يكمن فى ضرب السرنجة وهز الوسط؟!.. الإبداع هو أن تكون لك بصمة إيجابية فى الشارع مثل فنانين زمان!.. الفنان المبدع هو الذى يستطيع بأعماله توجيه الرأى العام للأفضل، وبالتالى فنحن الآن ليس لدينا مبدعون بل لدينا مخربون!.. بنفس منطق الاعتراض وخلاص يظهر المعترضون على القلمين اللذين سكعتهم نقيبة الشرطة الجدعة للشاب المتحرش!.. طب إيه رأيك يا حمادة إن القلمين كانوا أحلى قلمين فى التاريخ.. وصوت لسعتهم كان مزيكا!.. وأسأل هؤلاء المعترضين الذين يطالبون بالتحقيق مع العقيدة ويرفضون ضرب المتحرش ومعاملته بالقانون: هل ارتدع أحد عن التحرش بعد تحويل متحرشى سيدة ميدان التحرير للمحاكمة منذ عام؟.. لكن لو كل شاب مستهتر عرف أن فى كل ميدان وفى كل شارع ستكون هناك ضابطة شرطة جدعة هتسكعه قلمين وأن هناك كاميرات ستنشر صوره على المواقع وتجرسه، حينئذ فقط هيتعلم الأدب وستقل ظاهرة التحرش.. لم ينظر المعترضون للسيدة التى تم التحرش بها.. لم يصدمهم أنها كانت تحمل طفلة على كتفها بما يعنى أن المتحرش بجبن شديد وخسة قصدها هى بالذات لعلمه باستحالة مقاومتها له لانشغال ذراعيها بحمل طفلتها!.. هل لفت نظرهم مشهده وهو يحاول إخفاء وجهه من كاميرا التصوير؟.. إن إحساسه بالخجل يعكس- للمفاجأة- أنه ربما شعر بعار فعلته، وهذا بداية الانصلاح.. أما فى ظل بطء التقاضى فلا يجب أن ننتظر أبدا أى صلاح لأى انحراف.. العقاب الفورى هو الحل، والدنيا مش هتنصلح غير كدا هو.. أما بقى اللى مش عاجبه فيا ريت والنبى يركن على جنب أو يروح يشترى لب أزرق!