من الذى يستحق المحاكمة فى قضايا العفاريت؟!

خالد منتصر الخميس 23-07-2015 21:25

لم يكن خبر مقتل فتاة على يد دجالين بدعوى إخراج الجن هو الأول من نوعه ولن يكون الأخير، فمعنى أن يمر علينا هذا الخبر مرور الكرام فهذا يعنى أننا أمة فى غيبوبة، ومعنى أن تتصدر تلك البرامج الفضائية التى تفرد حلقات وحلقات لهذا النوع من الدجل وتستضيف هؤلاء الدجالين على أنهم أباطرة الطب، ليس له إلا معنى واحد وهو أننا فقدنا الرشد والتمييز ونحتاج كشعب إلى مستشفى عباسية بحجم الوطن!!، البنت التى ذهبت إلى قلين لكى يتلقفها مدرس إعدادى إخوانى من العصابة الإرهابية ومعه مساعده الذى يعمل حداداً، يجريان لها الحجامة والرقية الشرعية، ثم يشرعان بالضرب والضغط على بطنها لإخراج الجان حتى تلفظ أنفاسها بين أيديهم!!، الحدث مرعب ورهيب ومأساوى وعبثى، ينتمى إلى عالم مسرح العبث والبلاك كوميدى، لكن أهم من تفاصيل الحدث نفسه هو أن نسأل أنفسنا: ما الذى دفع تلك الفتاة الغلبانة المسكينة إلى براثن هؤلاء الدجالين؟ ما الذى زيف وعيها وغسل دماغها وجعلها منومة مغناطيسياً مقتنعة بأن الدجال الإخوانى والحداد الجاهل أكثر علماً وفائدة من الطبيب النفسى؟! الإجابة عن هذه الأسئلة تجعلنا نوسع دائرة الجناة، ونشير بأصابع الاتهام إلى المجرمين الحقيقيين الذين لعبوا فى الأدمغة، وبح صوتنا صراخاً بحماية عقل ووجدان الوطن منهم. ما جعل هذه الفتاة تساق إلى هذا المصير هو إعلام مضلل يسيل لعابه عندما تلوح له شركات الإعلانات بأن الريتنج أو تصنيف برامج الجن والعفاريت هو فى التوب ويجذب عشرين راعياً، فيخصص لبرنامج يستعرض تفاصيل نجاح الشيخ شمهورش فى إخراج الجن من بهانة وستوتة وأم الخير التوقيت الذهبى والساعات بلا حدود أو سقف، ومفيش مانع من استضافة طبيب نفسى عشان نسخر منه ونهزأه على خيبته فى علاج البنت، المسؤول عن اقتياد تلك البنت لمصيرها البائس هو مجتمع توج الخرافة وأجلسها على العرش ومنحها شيكاً على بياض وأعطاها التصريح الحصرى بإدارة الدفة والتحكم فى عجلة القيادة، فتجد على حوائط الشوارع الرئيسية إعلانات العلاج بالرقية الشرعية والحجامة وإخراج الجن والعفاريت، وجدير بالذكر أن الضرب لإخراج الجن ليس تجاوزاً من المدرس والحداد بل هو شرط من الشروط الشرعية المرعية لإخراج العفاريت السفلية، ولنقرأ على سبيل المثال واحداً من أشهر مواقع العلاج بالرقية الشرعية:

http://alroqya.com/rdod/darb.htm

والذى يناقش وجوب الضرب أثناء إخراج الجان مثلما فعل ابن تيمية الذى كان جدول الضرب عنده لا يقل عن ثلاثمائة ضربة ويهاجم منكريه بشدة فيقول الشيخ خالد الحبشى، صاحب الموقع، من ضمن أسانيده العلمية المفحمة: «يعتبر ضرب المؤخرة (المقعدة) بعصا خيزران أفضل طريقة لمعالجة مشاكل نفسية وجسدية كثيرة، من بينها الاكتئاب والإدمان على المشروبات الكحولية، وذلك حسبما أعلن علماء روس مؤخراً من خلال أبحاث علمية مكثفة. وأوضح العلماء التابعون لمعهد نوفوسيبريسك الطبى أن «ضرب المقعدة بعصا خيزران يؤدى إلى إطلاق المركبات الأندروفينية التى هى عبارة عن مواد كيماوية طبيعية تثير الشعور بالرضا والسعادة والحيوية، كما أنها تساهم فى زيادة مستويات الهرمونات الجنسية وإلى تعزيز استجابة الجهاز المناعى»!!، وطبعاً لازم يضع كلمتين أندورفين على جهاز مناعى حتى يقتنع الزبون بأن فضيلة الشيخ هو حفيد فرويد!!، والمدهش أن تراث الأطباء المسلمين أجداد هؤلاء الدجالين من مئات السنين فى التعامل مع المرض النفسى تراث وتاريخ مشرف، فبينما كان يقيد المريض النفسى إلى جدار ويُسجن فى قفص ويُعذب ويُضرب بل ويُتخلص منه أحياناً فى أوروبا كان العبقرى الرازى يشرف على البيمارستان العضدى فى بغداد، ويخصص للمرضى النفسيين قسماً لرعايتهم، ويكتب وصفاً مبهراً دقيقاً للمرض النفسى فيقول عما أطلق عليه «المالنخوليا»: ومن العلامات الدالة على ابتداء المالنخوليا: حيث التفرد والتخلى عن الناس على غير وجه حاجة معروفة أو علة كما يعرض للأصحاء لحبهم البحث والستر للأمر الذى يجب ستره. وينبغى أن يبادر بعلاجه لأنه فى ابتدائه أسهل ما يكون، وأعسر ما يكون إذا استحكم. وأول ما يستدل على وقوع الإنسان فى المالنخوليا هو أن يسرع إلى الغضب والحزن والفزع بأكثر من العادة ويحب التفرد والتخلى (الحاوى 1/75). بل وأشار مبكراً الى السيكوسوماتيك أو الأمراض النفسجسمية، للأسف نحن لم نحترم تراث الرازى وابن سينا وأيضاً لم نتشرب روح المنهج العلمى الذى بدأت شرارته فى عصر النهضة الأوروبى، فكنا كمن رقص على السلم، أدمنا الكسل المزمن والشماتة الكريهة والخرافة سهلة الهضم التى تصنع لك الجنة بمجرد فتح مندل أو كودية زار وتجيب على أسئلتك وتبدد حيرتك وتعالج أمراضك برقية وخيزرانة على مقعدتك المتورمة من الكسل والبطالة!!.