احكِ يا مبارك

عبد الناصر سلامة الخميس 23-07-2015 21:26

من حقنا جميعاً أن نسمع الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، من حق العاملين فى الحقل السياسى الاستفادة من خبرة ٣٠ سنة رئاسة، وذلك من أجل مصر، وليس لأى شىء آخر، من حق العاملين فى حقل الإعلام الاستماع لمبارك، لفهم أوضاع كثيرة داخليا وخارجيا، كان مبارك إما البطل فيها، أو على الأقل أحد الأطراف الفاعلة، من حق كل الشعب الاستماع لمبارك، حتى يمكن الوقوف على الحقيقة كاملة، الحقيقة فيما يتعلق بالعلاقات مع العالم الخارجى، مع الولايات المتحدة، كما دول الاتحاد الأوروبى، كما إسرائيل، كما دول الخليج العربى، كما إيران.

من حقنا أن نسمع مبارك يتحدث عن الشأن الداخلى، كيف كانت تسير الحياة اليومية بأزماتها، السياسية والتموينية والأمنية، كيفية ترويض ما تسمى الأحزاب السياسية، ترويض رجال الأعمال، ترويض الشارع ككل، ترويض ٣٠ سنة، سوف يحدثنا بالتأكيد عن مؤامرة كبيرة أطاحت به، سوف يحدثنا عن خيانة لم تكن متوقعة ممن كانوا الأقرب إليه، سوف يحدثنا عن لحظات اتخاذ أصعب قرارات حياته، وقت أن قرر التنحى إنقاذا لكل شىء تقريبا، سوف يحدثنا عن نظرته للماضى، والحاضر، ورؤيته للمستقبل.

بالتأكيد مبارك هنا سوف يحقق أعلى نسبة مشاهدة، أو أعلى نسبة استماع، بالتأكيد هناك خفايا كثيرة لم تعلن من قبل، سوف يتحدث، أو هكذا يجب، عن الانتهازيين، متسلقى كل العصور، سوف يتحدث عن الفاسدين، ولِمَ كان يغض الطرف عنهم أحيانا، سوف يكشف عن العملاء، ولماذا لم يكن يهتم بتقارير كثيرة من هذا القبيل، اعتقادا منه بأنها أوضاع أقرب إلى الهذيان، وأن الدولة قوية بتكوينها المعروف، سوف يتحدث مبارك عن رؤيته للمنطقة ككل الآن، وما هى معلوماته المسبقة عن الفوضى الخلاقة، ولماذا لم يستعد لها جيدا.. أسرار كثيرة بالتأكيد فى هذا الشأن، فى شأن علاقات الشد والجذب مع الولايات المتحدة تحديدا، ومع إسرائيل فى أحيان أخرى، وحتى مع المملكة العربية السعودية فى أحيان ثالثة، كلها سوف تكون أسرارا تذاع للمرة الأولى.

الرئيس مبارك هنا لن يروى حكايات ألف ليلة وليلة، احكِ يا شهريار، مبارك هنا سوف يكون أكثر فائدة للمواطن والوطن من أى متحدث آخر، سوف يضع النقاط على الحروف فى مواضع لا حصر لها، هو لم يعد يسعى إلى سلطة، لا يمثل تهديدا لأحد، كما ليس فى حاجة إلى أحد، هو مع المرض أقرب إلى الله الآن من أى شىء آخر، لو كنت مكان الرئيس الحالى لجلست مع مبارك بمعدل ساعتين على الأقل فى اليوم الواحد، لو كنت مكان رئيس الوزراء لترددت على مبارك بصفة يومية، لو كنت مكان المسؤولين عن أجهزة الأمن القومى لفعلت ذلك أيضا.

للأسف، اعتدنا فى جميع مواقعنا أن نبخس حق السابقين، نعتقد أننا نفهم فى كل شىء وأى شىء، ولا نريد مساعدة من أحد، حتى لو كانت الأوضاع تبدو متردية إلى أبعد حد، الأمر يجب ألا ينطبق بأى حال على رئيس الدولة، لأول مرة فى تاريخ مصر يكون لدينا رئيس على قيد الحياة، وحينما نتحدث عن رئيس فنحن نتحدث عن خبرة طويلة، عسكرية ومدنية، وليس نصف رئيس، كما كان أحدهم، أو مجرد طرطور، كما كان آخر، كما لم تكن هناك أى شبهة فى شرعيته، كما كان ثالث، بالتالى كان يجد استقبالا يليق بمصر فى كل مكان، نحن نتحدث عن قيمة وقامة، كان يجد احتراما واسعا بين قادة العالم، كان يقدم النصح، فيجد من يسمع، بل كانوا يلجأون إليه للمشورة، (وليس أحدا آخر)، هذا أيضا ما سوف يكشفه مبارك.

المؤكد أن مبارك لو وافق على التحدث فسوف يجد قنوات تليفزيونية عالمية وعربية تدفع ملايين الدولارات لاحتكار هذا الحديث، وسوف يجد صحفًا عالمية وعربية أيضا تقوم بذلك، كما أن نصائح مبارك لقادة ودول المنطقة يمكن أيضا أن تأخذ الشكل الرسمى فى صورة استشارات لا تقدر بثمن، وقت هذه أو تلك سوف نندب حظنا كالعادة، اعتدنا التفريط فى أبنائنا، وخبرات أبنائنا، حتى فى أغلى ما نملك، فى خبرة قادتنا، كان يجب أن نتدارك الموقف مبكرا، وننبذ الغل والتشفى لصالح الأجيال الجديدة ليس أكثر.

أعتقد ودون أى مبالغة أننا أمام كنز، يجب الاستفادة منه قبل فوات الأوان، وليمتعض من يمتعض، فالنفس البشرية بطبيعتها يغلب عليها الهوى، والغيرة أيضا، فى الوقت نفسه وبحكم درايتنا بمبارك فهو لن يبخل بما من شأنه أن يفيد مصر، حتى فيما أنشأه من علاقات مع قادة العالم من حولنا، كان يجب أن نستفيد بها لصالح مصر، فقط يجب أن يحصل حسنى مبارك وأفراد أسرته على حريتهم كاملة حتى نضمن حديثا حرا، أن تعاد لهم كرامتهم، نحن نتحدث عن رئيس مصر، وليس أى شىء آخر، ما يتواتر من أنباء، حول مروره بحالة اكتئاب يؤكد أننا أمام أوضاع ماسخة آن تعديلها، لم يعد لها أبدا ما يبررها، وأنا على يقين بأن النفس البشرية أيضا هى التى تقف خلف هذه الأوضاع، لنبدأ مرحلة جديدة من النقاء والصفاء مع الجميع، لعل الله يكشف هذه الغمة.