الطبيعى أن تكون العلاقة بين كل من المملكة العربية السعودية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) قوية ومتميزة، والطبيعى أن تكون علاقة حماس مع مصر كذلك، ما ليس طبيعيا هو الوضع القائم الآن، والمتمثل فى فجوة غير مبررة لحساب انتهازيين كثر، وعلى حساب القضية الفلسطينية ككل، لغط كبير يدور فى الساحة المصرية حول زيارة خالد مشعل، القيادى الحمساوى، للسعودية خلال الأيام الأخيرة، التكهنات وصلت إلى أبعد مدى، كلها لم تتناول القضية الفلسطينية كأحد محاور المباحثات مع الملك سلمان، قضايا أخرى مختلفة هى التى تضمنتها المباحثات، وكأن حماس أصبحت من الرفاهية لدرجة توارت خلفها قضيتهم التاريخية، بالتأكيد كلام غير منطقى وغير عاقل.
قالوا إن الزيارة تهدف إلى التدخل السعودى لدى مصر لوقف حملة إعدامات مرتقبة فى صفوف جماعة الإخوان، قالوا إن حماس تطلب ضغوطا أخرى تتعلق بمعبر رفح، قالوا إن حماس تطلب ضغوطا على إسرائيل لتخفيف الحصار، على اعتبار أن هناك مؤشرات كثيرة عن علاقات سعودية إسرائيلية غير معلنة، تكهنات أخرى خرجت من طهران تتحدث عن ابتزاز سعودى لحماس يتعلق باليمن، تحديدا الاستعانة بقوات حمساوية برية لقتال الحوثيين، قالوا إن المباحثات توصلت إلى قطع علاقات حماس بطهران، مقابل علاقات بديلة مع الرياض.
الغريب فى الأمر أن نفس اللغط الحاصل فى الشارع وعلى المصاطب والأرصفة يدور بنفس الوتيرة بين صناع القرار فى مصر، وفى وسائل الإعلام الرسمية، بما يشير إلى أن السياسة المصرية أصبحت فى دائرة المفعول به، بعد أن كانت فاعلاً قوياً حتى تاريخ 25 يناير 2011، على الأقل فيما يتعلق بالقضايا التى تتصل مباشرة بالأمن القومى المصرى، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، فقد كانت مصر، وقصر الاتحادية تحديدا، محطة الذهاب والعودة للقادة الفلسطينيين، سواء كان الراحل الرئيس ياسر عرفات، أو الحالى محمود عباس، أو حتى حركة حماس، وإن كان تعامل الحركة أقل قليلا من قصر الاتحادية، إلى حيث مقر المخابرات المصرية، حيث كان ذلك الملف مسؤولية اللواء الراحل عمر سليمان، فقد كانت السياسة المصرية تدرك دائماً عدم الخلط بين النوازع الشخصية والدور المصرى، أو مسؤولية مصر فى هذا الشأن.
وبالمناسبة، كان الرئيس ياسر عرفات أيضا فى خضم الحرب الباردة، ربما هو الزعيم الوحيد فى العالم، الذى يختتم زيارة للبيت الأبيض فى الولايات المتحدة الأمريكية، متوجها مباشرة إلى الكرملين، فى الاتحاد السوفييتى السابق، والعكس، أى أن حاجة الفلسطينيين إلى دعم سياسى ومادى من كل عواصم العالم حالت دون تدخل أى دولة عربية، أو غير عربية، فى الضغط على قيادتهم، لتتعامل مع هذه العاصمة، أو للحد من علاقاتها مع تلك، ومن هنا فلا يمكن لمصر أن تفكر، مجرد التفكير، فى الضغط على الفلسطينيين فى هذا الشأن، ونفس الحال بالنسبة للسعودية، حتى فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران.
وفى هذا الصدد نستطيع الجزم بأنه لم يتم رصد أى تشدد طائفى، أو مذهبى، أو عقائدى من أى نوع، بخصوص حركة حماس تحديدا، منذ بدء ظهورها على الساحة، مع الانتفاضة الأولى فى ديسمبر عام 1987، فقد ارتبطت بعلاقات متميزة مع دولة إيران الشيعية، وكذلك مع حزب الله فى لبنان، وعلاقات أكثر تميزا مع الدولة العلوية فى سوريا، وبالتالى فقد كان يجب أن نفهم مبكرا أن ما تردد من شائعات حول استخدامهم فى مواجهة الحوثيين وغيرهم يأتى أيضا فى إطار خلط الأوراق، وعدم تقدير الموقف كما يجب، والمتتبع لتاريخ وأداء الحركة سوف يفطن مبكرا إلى أنه من الصعب جرها إلى معارك من أى نوع بعيدا عن قضيتهم الأساسية، وذلك لأن الخسارة سوف تكون فادحة، على المدى الطويل، ونفس الأمر فيما يتعلق بعلاقتهم مع جماعة الإخوان فى مصر، والتى لن تكون بأى حال على حساب علاقتهم مع الدولة الرسمية، وهو الأمر الذى لم نستوعبه حتى الآن، بعد أن أصبح التعامل أمنياً، مع قضايا سياسية.
المهم أننا قد انسحبنا تدريجيا من القضايا الخارجية الأهم على الإطلاق، انطلاقا من أوهام غريبة، وأصبحنا نعتمد على التكهنات، وعلى تسريب من هنا، أو من هناك، وصل إلى درجة كبيرة من اللغط، حول تصريحات منسوبة إلى العاهل السعودى، بخصوص مصر، وهل هى صحيحة بالفعل، أم أنها مدسوسة على الرجل، لا أحد يحسم، ربما لأنه لا أحد يدرى، ومع تدحرج كرة الثلج، تضخمت الشائعات من جهة، ووجدنا أنفسنا خارج الملعب من جهة أخرى، بل خارج ملاعب كثيرة، هى فى الأساس أنشئت على سواعدنا، وبمجهود كبير بذله السابقون.
لن يكون من المنطقى إذن إدارة الأوضاع فى قطاع غزة بمنأى عن التنسيق مع مصر، كما لم يكن طبيعيا أيضا إدارة حوار من أى نوع حول التسوية السياسية فى الشقيقة ليبيا بمعزل أيضا عن مصر، فى الوقت نفسه لن يكون مستساغا أيضا عدم التواصل مع جميع الأطراف المتحاربة فى اليمن الشقيق، نزولا على إرادة دولة ما، أو خضوعا لأموال من أى رقم، فى الوقت الذى يجب أن نضمن فيه الأمن فى مضيق باب المندب من خلال جميع الأطراف، نفس الحال بالنسبة للسودان الشقيق، بل لكل دول حوض وادى النيل، وهكذا لا يجب أبدا أن تلهينا أزماتنا الداخلية عن قضايانا المصيرية، لحساب هؤلاء أو أولئك، ثم نتسول مصالحنا الاستراتيجية فيما بعد.
باختصار.. هناك ثوابت فى مقدمتها فلسطين التاريخية، كما أن هناك متغيرات من بينها حركة حماس، لا يجب أبدا الخلط بين هذه وتلك.