هيكل.. السيسي.. إيران

جمال الجمل الأربعاء 22-07-2015 05:21

كل عام وأنتم بخير، انتهت أجازة العيد وعادت برامج الحياة إلى طبيعتها...!

عفوا، لقد استسلمت بتلقائية غير محسوبة للتعليقات الدارجة، لأن ما نعيشه من فوضى و«لخبطة» لا يمكن أن أعترف به ضمن «برامح الحياة الطبيعة».

كما أن الأستاذ هيكل قال قبل أيام في حواره لصحيفة «السفير» اللبنانية، إن المنطقة تحتاج إلى فترة بين12 و15 عاما لتنتهي الفوضى ويظهر نوع من الاستقرار.

لم أجد في حوار الأستاذ مفاجآت أو معلومات جديدة، أو تحليل مختلف لما سبق وأعلن عنه، لكن الحوار يظل في غاية الأهمية، لأنه قبل كل شيء يطمئننا على صحة الأستاذ، وعلى استمراره في متابعة الشأن العام متجاوزا آلام الكسر، وقيود العزلة التي يأتي بها.

قيمة الحوار (برغم خلوه من الجديد) أنه يرسم صورة كلية لأوضاع المنطقة، ولم يستغرق في ملف واحد كما في البرامج التليفزيونية الأخيرة التي ركزت على القضايا المحلية دون ربطها بما يدور في الإقليم وعلى مستوى الخريطة الدولية أيضا، وهنا تبدو قيمة «هيكل العرب» طلال سلمان الذي أدار الحوار وقدمه بطريقته الوصفية المتمكنة، موضحا أنه جاء إلى هيكل محددا هدفه في استطلاع أوضاع المنطقة بعد الاتفاق الأمريكي الإيراني، لكن سلمان لم ينغلق على هذا الملف، واتخذه نقطة بداية يرسم من خلالها خريطة واقعية للمنطقة بمسبار هيكل.

لم أكن أفكر في الكتابة عن الحوار لأنني كما قلت لم أجد فيه جديدا على مستوى المعلومة ولا الموقف السياسي، فهيكل يقدر قيمة إيران ويعطيها الأهمية الإقليمية التي تتمتع بها مصر، وتركيا في المنطقة، ويهاجم النظام السعودي (وليس السعودية) ويقلل من «كاريزما» ودور الملك سلمان، وهذا ما أتاح للأقلام المؤيدة للمملكة (وهي كثيرة وملونة في المنطقة) أن ترد على رأي هيكل بهجوم مضاد وصل إلى حد وصفه بأنه «مفلس»، و«من ضياع الوقت أن تتابعه، أو تبحث في كلامه عن معنى، أو تحليل جاد»!.

المؤسف أن هؤلاء الذين يقدرون قيمة الوقت، ويبحثون عن الفائدة والتحليل، غارقون تماما في الخبل الإعلامي، وثرثرات المقاهي، وأقصى ما يعرفه بعضهم عن التحليل يقتصر على آخر تحليل بول أجراه.

الحوار من كثرة القضايا التي تناولها جاء على طريقة «إلمس وامض»، وقد قرآته كالآتي: أمريكا هي نقطة البدء ومفتاح التحليل، لذلك بدأ الحوار بسؤال عن أوباما، ورد هيكل أنه بلا مشروع خاص، وأنه رئيس أبيض بجلد أسود، لم يغير شيئا في نظرة أمريكا للعالم، ولا في نظرة العالم لأمريكا، وهذا المدخل هو المنصة الذي يمكن تحليل الاتفاق الإيراني الأمريكي على أساسه بأنه مجرد خطوة تكتيكية عارضة لا تمثل قيمة كبرى في السياسة الخارجية للبلدين، مرجحا أن العداء بين البلدين مستمر وسوف يستمر حتى يحدث تغيير جذري للنظام الإيراني يتوافق مع إرادة واشنطن.

كان هيكل هادئا في تحليله، ولم ينجرف للحكايات المطولة والذكريات القديمة ليربط بينها وبين الواقع الحالي، لكنه كان واضحا بدرجة مذهلة، كأنه يقدم وصايا محددة المعالم، فالإرهاب لن يؤثر طويلا في الحالة المصرية، و«داعش» ليس لها مكان هنا، لأننا قد نقبل إصلاح حسن البنا المرتبط بمزاجنا الصوفي، لكننا لن نقبل وحشية البغدادي.

وفي حديثه الذي يفضح العجز العربي (كأمر واقع) قفز هيكل على أي دور عربي لدول الخليج، وطبعا لسوريا والعراق ولبنان (كما تجاهل الجوار منطقة الشمال الأفريقي الملتهبة ربما لتركيز الصحافة على النصف الآسيوي من الوطن العربي) لكنه استثنى مصر بنوع من المحبة والتفكير الإرادي بالأمل الذي يتبناه هيكل منذ عام 1995، وقال ما نتمنى أن نراه واقعا، قال: إن الرئيس السيسى يستمع ويهتم، ويسعى حتى للانفتاح على إيران وتحسين العلاقات معها، لكن القوى المهيمنة لن تقبل بذلك!

والنقطة اللافتة في تحليل هيكل هذه المرة ترتكز على تقليله من أهمية «النظام السياسي» في التأثير الدولي، وإعلائه لمفهومه القديم عن التاريخ والجغرافيا والميراث الحضاري، وهنا وضع مصر وإيران وتركيا وروسيا بين الدول التي تتناقض في مقامها وتاريخها مع الروح الغربية الاستعمارية، وصاغها في واحدة من مأثوراته: لا يهتم الغرب إذا كان على رأس السلطة في روسيا قيصر أو زعيم شيوعي، فهي في كل الأحوال خطر على الغرب، ويتحسب الأمريكيون من روسيا بحد ذاتها وليس من النظام الشيوعي فيها.

هذه القاعدة يمكن تطبيقها على الدول ذات المكانة التاريخية ومن بينها مصر وإيران وتركيا، وبالتالي فإن السعودية بكل ما تملكه من نفط ونفوذ مالي لا مكان لها في هذا التحليل.

قد يكون هناك بعض الهوى، والانحياز النفسي في تحليل الأستاذ، ونظرته للسعودية وإيران واليمن وحزب الله، ومصر السيسي، لكن هذا الهوى، يظل في حدوده الإنسانية الحميدة التي لا تجنح بالتحليل عن الموضوعية، فقد نجد أفق أمل أوسع فيما يخض السيسي وإيران وحزب الله، ويأس متطرف من النظام السعودي لدرجة التنبؤ بقرب زواله، وهذا تفكير بالأمنيات يظل (مثل الوعود والنبوءات) رهنا بالزمن، ولا يملك أحدا تأكيده ولا تكذيبه في الواقع العاجل.

لقد قال هيكل إن «مصر تمشى إلى مستقبل ما»، وأنا شخصيا أتمنى أن أعرف ماهو هذا المستقبل الذي تمشي نحوه بلادي.

أريد أن نراجع معا خريطتنا إلى المستقبل، لنعرف من يتمسك بها ومن ينحرف عنها؟

أريد وضوحا ومحاسبة بلا خجل ولا نفاق لا أريد للأعذار والتحديات وضعف الإمكانيات أن تبرر العودة لأي ظلم، وأي قهر، وأي تخلف، وأي تسلط، وأي فساد، تحت أي مسمى من المسميات، ومهما كانت الضغوط والتحديات.

وأرجو أن يكون كلامي واضحا.

عاشت مصر وعاش شعبها رغم كيد المغرضين.

جمال الجمل

tamahi@hotmail.com