كلنا خاسرون فى برج العرب

ياسر أيوب الثلاثاء 21-07-2015 21:04

قواعد الطباعة ومواعيد دوران ماكيناتها تلزمنى بالكتابة قبل أن تبدأ مباراة الأهلى والزمالك بساعات كثيرة.. وكنت أحيانا أضيق بذلك لأن الناس ستقرأ ما كتبته بعد أن تكون الأحداث تغيرت والحسابات وكل شىء.. لكننى الآن أكتشف أن لهذه الكتابة المبكرة ميزة كبرى.. وهى أنها تسمح لى بإعلان كل ما أريد قوله وكتابته دون أى تأثر بالنتيجة ودون أن يتخيل أى أحد أننى كتبت ما كتبته حزناً أو فرحاً لخسارة أو مكسب أى من الفريقين.. وما أريد أن أقوله الآن هو أنه فى الحقيقة لا أحد فاز بالأمس فى برج العرب.. حتى لو فاز الأهلى أو الزمالك بالمباراة فى الملعب وبلغة الأهداف وحسابات كرة القدم.. فكلنا سنخرج من ذلك الملعب وقد خسرنا أشياء كثيرة جدا فى مقدمتها الأخلاق والاحترام وأى قدرة على التغيير والإصلاح مستقبلا.. فكل الأحداث طيلة الأيام القليلة التى سبقت هذه المباراة باتت دليلا واضحا على أنه لا أمل فى أى شىء.. وسنبقى على نفس حالنا وستبقى الفوضى والعشوائية والارتجال.. وسواء فاز الأهلى أو الزمالك.. فهناك حروب ودماء جديدة فى انتظارنا..

وأخشى ألا تكون هذه الحروب قد بدأت بالفعل قبل تلك المباراة أو أثناءها أو بعدها.. فالكراهية باتت متوافرة وتم بنجاح ساحق غرسها فى صدور وتحت جلود الجميع.. وإذا كان هناك من يتخيل أن كل ذلك جرى أو سيجرى بسبب شخص واحد.. فهو واهم ومخدوع أيضا أو يهرب من مواجهة الواقع والحقيقة.. فإن كان مجتمعنا الكروى الرائع والمتحضر سيفسده شخص واحد مهما كان مكانه أو مكانته.. فهذا ليس دليلاً ضد هذا الشخص إنما هو دليل إدانة ضد هذا المجتمع كله.. مجتمع ضعيف وهش وعاجز بإدارة الكرة فيه وأنديته وإعلامه وجماهيره أيضا..

وإذا كنتم طول الوقت الذى مضى تحرصون على تبرئة الجماهير وتكتفون بإدانة الإعلام.. أو تسعدكم وترضيكم السخرية من اتحاد الكرة ولا تفكرون حتى فى الاقتراب من الحكومة أو الأمن.. فذلك هو الذى انتهى بنا إلى تلك الفوضى التى قطعاً ستنتهى بمأساة جديدة ستبكون بعدها وتذرفون دموع التماسيح بينما أنتم جميعكم شاركتم فى صنع هذه المأساة.. وليس هناك أى أحد برىء.. أو غير مسؤول أو مشارك فيما جرى أو سيجرى.. الذين تكلموا والذين سكتوا.. الذين شتموا والذين ضحكوا.. الذين استعرضوا واستظرفوا أو الذين ثاروا وانفعلوا.. وإذا كان كل هؤلاء سينشغلون منذ مساء أمس وحتى الغد بالتحليل الفنى للمباراة حسب نتيجتها ومن الذى فاز فى الملعب أو خسر.. فأغلب الظن أن هناك كثيرين لن يطيقوا الصبر وسيبدأون حروبهم فور صفارة الحكم الأخيرة أياً كانت نتيجة المباراة.. فلا أحد سيقبل الهزيمة وسيخترع لها عوامل وأسباب خارج الملعب.. ورغم كل ذلك تأكدوا أنه لن تتم محاسبة ومساءلة أى أحد عما جرى.. لأنه من الواضح أننا نحب هذه الفوضى وندمنها ولا نتصور الحياة بدونها.