«سى سى» المواطن المصرى

رامي جلال الثلاثاء 21-07-2015 21:02

أنتمى مالياً للشريحة العليا من الطبقة الوسطى للمجتمع، والحراك الاجتماعى بالنسبة لى هو التنقل فى إطار تلك الطبقة صعوداً وهبوطاً، وهذا ليس سيئاً، فالتغيير سُنة الحياة، وأنا أعشقه منذ أيام الحفاضات إلى أيام الثورات. ورغم وفائى لتلك الطبقة إلا أننى لا أفهم لماذا تقوم فلسفة الدولة بشكل عام على فرض ضرائب باهظة على الجميع مع «تقليب» الأغنياء خصوصاً، فالمليونير فى مصر هو حرامى فى نظر الشعب وصاحب جمعية خيرية فى نظر الحكومة، حيث يمكن طوال الوقت أخذ أى شىء منه بأى حجة تبعاً لنظرية «لو مزنوق ارفع الدعم عن الفقراء واشفط الأغنياء». من أفضل أمثلة تلك النظرية ما يحدث مع السيارات ذات السعة العالية للمحرك («سى سى» عالى).

العالم يُصنف السيارات كملاكى وأجرة ونقل، أما سعة المحرك «السى سى» فهو اختراع مصرى لتقليب البشر (عالمياً تعتبر السيارة المتوسطة هى ذات السعة 3 آلاف «6 سلندر»، وأقل من ذلك تعتبر سيارة صغيرة).

أما بنزين 95 فهو ليس «الأملة» والغاية العظمى التى يصبو إليها الكائن البشرى، فبنزين 92 يُخرب محركات السيارات الحديثة التى تحتاج إلى ما هو أعلى، وهذا ليس سفهاً من صاحب السيارة لكنه ضرورة لا تستوجب اعتباره مداناً أو اعتبار أمواله حلالاً بلالاً.

السيارات ذات السعة العالية تمر برحلة ضريبية طريفة للغاية حيث تبدأ بإضافة جمارك 135% (ثم تُوضع ضريبة أخرى على الكماليات التى هى أصلاً محسوبة فى أصل سعر السيارة). بعد ذلك تُضاف ضريبة مبيعات 45% من مجموع السعر الأصلى، مضافاً إليه قيمة الجمرك! (وهو ازدواج ضريبى يجعل تلك الضريبة أعلى من سعر السيارة الأصلى). فى النهاية يصل السعر الجديد إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف السعر الحقيقى. (وبعد هذا كله تم عام 2008 إقرار ضريبة إضافية 2% على سعر السيارة). ولو بدأنا الرحلة السابقة بسعر حقيقى 100 ألف جنية مثلاً فسيصل الرقم النهائى إلى أكثر من 350 ألف جنيه. فى مقابل كل ما سبق لا توفر الدولة للسيارات ذات السعة العالية ما لا توفره لباقى السيارات. وطبعاً الناس تفرح فى الأغنياء فى إطار منظومة حقد يغذيها الإعلام.

بعض ممن يمتلكون سيارات توصف بالفارهة لا يمكنهم تدبير مصاريف وقودها طوال الشهر، وبعضهم لا يمتلكون من الحياة غيرها، وهذا خلل فى منظومة الأولويات يجعل طبق «الدش» شامخاً فوق عشة على سطح بيت متهالك فى حى فقير. هذا خطأ ولكنه يحدث. صاحب السيارة الفارهة ليس غنياً بالضرورة، والغنى ليس لصاً بالحتمية.