كل سنة وأنتوا طيبين بمناسبة عيد الفطر المبارك، نعيش هذه الأيام «السبكى ستايل»مع افلامه المنتجة خصيصا للأعياد والتى هلت علينا اعلانتها بكثافة في الأسبوع الأخير من رمضان...وكالعادة «الجواب بيبان من عنوانه» خلطة فاسدة تخفيها بهارات حريفة. تعيش السينما المصرية عصرالسبكى مع الأسف مع الأسى، فهو يتحمل وحده مسئولية استمرار صناعة السينما في مصر،بعد هروب المنتجين الآخرين من الساجة خوفا من خسارة محتملة. السينما المصرية على يد السبكى تحولت لمسخ ولكن له الحق في الدفاع عن نفسه بأنه الوحيد الذي يمنحها قبلة الحياة ...ولوكانت حياة سيئة السمعة.
كلما شاهدت «برومو» افلام السبكى اتساءل: هل يمكن لهذه الرداءة الفنية ان تجد مشاهد يدفع فيها ثمن التذكرة ؟؟!! بالطبع لست الوحيدة التي تتسائل ولا الوحيدة التي تندهش من تحقيق هذه الأفلام لأرباح بالملايين .
لا يوجد في مصر مركز بحثى يقدم لنا تفسير لهذه الظاهرة وكيف يمكن ان نعدل مسارها ،وهنا يكمن الفرق بين المجتمعات الواعية التي تفكر وتبحث عن اجابات والمجتمعات التي تكتفى بعبارة «دى خلقة ربنا نعمل ايه»
في مايو عام 1969 عاشت فرنسا أياما عصيبة، بسبب إشاعة أنتشرت في مدينة أورليان انتشار النار في الهشيم، الإشاعة أثارت الذعر بين الفرنسيين وتداولتها وسائل الاعلام، وبالطبع كثرة التداول يضيف للقصة توابل من وحى الخيال، ومع اتساع دائرة الجدل، تحول الأمر إلى فاجعة.
الشائعة فحواها اختفاء عدد من نساء مدينة أورليان في ظروف غامضة، هؤلاء النساء ُكن من زبائن محل للملابس الداخلية يمتلكه يهود ،وكان مبرر الاختفاء حسب الشائعة :أنه يتم حقن النساء بمادة مخدرة ،أثناء تواجدهن في حجرات خلع الملابس، بعدها يتم نقلهن سرا إلى غواصة تسافر بهن لخارج البلاد للعمل في الدعارة، فهناك شبكة رقيق أبيض وراء عمليات الاختطاف. هذه الإشاعة أثارت الذعر في المدينة كما أثارت الهلع في فرنسا كلها،بعدما نشرتها وسائل الإعلام وأفاضت في الحديث عنها وظهر شهود عيان تبرعوا في تأكيد تفاصيلها وكانوا ضيوف مرحب بهم على شاشات التليفزيون، ولكن الغريب أن شرطة المدينة أعلنت أنها لم تتلق أي بلاغ حول غياب أي فتاة أو سيدة في أورليان، وكان تعليق الأهالى مفاجأة، فلقد أتهموا أصحاب المحلات اليهود الأثرياء بشراء ذمة الشرطة بتقديم رشاوى لهم حتى يسكتوا عن الأمر ويتجاهلوا بلاغات الاختفاء. بدأ الأهالى في مقاطعة تلك المحال ومعا دتها والبصق على واجهاتها الزجاجية كلما مروا بجوارها ،بل أصبح هناك عداء خفى لكل ماهو يهودى وكل محل يبيع ملابس داخلية نسائية،أصبحت تلك المحلات في المخيلة الشعبية بالمدينة مسرحا محتملا للدعارة .
ومثلما بدأت الشائعة أنتهت، كانت دخان بلا نار ..ماتت الشائعة ولكنها أثارت التساؤل :لماذا حدثت ؟وكيف انتشرت بهذه السرعة ؟وكيف تمكن الخيال من خلق تفاصيل دقيقة تحاكى الواقع وتفرضه كحقيقة؟
لم يقف المثقفون الفرنسيون موقف المتفرج أو المعلق السلبى كما يحدث عندنا ،حلل صحفيون الظاهرة بالاضافة لمفكرين وعلماء اجتماع منهم المفكر وعالم الاجتماع الفرنسى إدجار موران الذي كون فريق بحث برئاسته لدراسة هذه الظاهرة وُنشرت نتائجها في كتيب صغير في نفس العام، وكان تفسير موران للظاهرة أنها محاولة من الآباء وكبار السن من الرجال للوقوف أمام مستجدات العصر والتى تمثل لهم انحراف سلوكى،وفى هذه الحالة كان الانحراف: استقلال النساء وخروجهن للعمل والحياة والتمتع بملذاتها كالرجال، بالاضافة إلى خوف هؤلاء من مشاهدة أحد لبناتهن وزوجاتهن في غرف خلع الملابس حينما يجربن الملابس الدخلية، وهو ما شكل البذرة الأولى للشائعة وغذى خيالهم ،فهذه المخاوف تحولت لوحش يدير الصراع بالنيابة عنهم ويحاول اعادة المرأة إلى البيت رعبا مما ينتظرها خارجه.
المجتمعات التي لديها ثقافة وقيم تخشى عليها تتعامل بسرعة مع الظواهر التي تؤثر على هذه الثقافة والقيم ،كما حدث في ايرلندا عندما منعت الحكومة ظهور الفتيات دون العاشرة بمكياج في أي مسابقة حفاظا على براءتهن وحرصا على طفولتهن .
النخب المثقفة الواعية وعلماء الاجتماع يسارعون لدراسة الظواهرللوصول لجذورها مما يسهل بعد ذلك إيجاد حلول يمكن للحكومات أن تطبقها ،بعد عرضها على الرأى العام ومعرفة رأيه وردود أفعاله تجاهها .
في مصر نتعامل مع الظواهر بالقطعة مرة نهاجم فيلم ومرات نصمت، السبكى وأفلامه ظاهرة كان يجب أن تدرس منذ زمن طويل، فهو لايقدم سينما تخاطب الطبقة الشعبية، وليته يفعل ،بل يقدم افلاما تخاطب فئات عشوائية ليس لها معايير قيمية أو ثقافية، ولكن تتوفر لديها موارد تسمح لها بالذهاب للسينما مرة ومرات ،وتحقق له أرباح كبيرة في شباك التذاكر، والسبكى تاجر، فهو في الأصل «جزار» وبالنسبة له لايفرق كثيرا أن يتاجر بلحم البقرة أو المرأة، كله لحم مطروح للبيع والتسويق، وكان على مراكز الأبحاث الاجتماعية في مصر أن تدرس ظاهرة الليمبى وقلب الأسد وحلاوة روح وغيرها من ابداعات السبكى، لتفسير أسباب نجاح تلك الأفلام تجاريا وماهى الفئات التي تخاطبها وكيفية تعديل سلوك تلك الفئات، أفلام السبكى تجعل من أفراد تلك الفئات المنبوذة أبطالا، حيث يجد هؤلاء أنفسهم على الشاشة وهو ما يجعلهم يشعرون بالتطهر بالاتحاد والتماهى مع هذه الشخصيات كما يقول أرسطو ،وأيضا التباهى، فهذه النماذج التي يزدريها المجتمع ولايحترمها ويهمشها، لاتجد من يخاطبها غير السبكى باللغة التي تفهمها وهو ما يشعرهم بالفخر ويعادل عندهم الشعور بالنقص.
أنها ليست مجرد افلام وتعدى ولكنها أزمة حقيقية علينا أن ننتبه لها
.ونناقشها...مش لازم دلوقتى ممكن تأجيل التفكير فيها لبعد العيد ....وكل عام وأنتم بخير .
ektebly@hotmail.com