الذى يكتمل ينتهى

مكاوي سعيد الخميس 16-07-2015 21:31

فى الجامعات المصرية فى حقبة الثمانينيات بأكملها كانت دواوين الشعر هى الكتاب الإبداعى المعتمد فى الجلسات والمناقشات التى تدور فى الأروقة والكافيتريات بجانب طبعا الكتب السياسية المحايدة التى لا تجلب مشكلات كبيرة، حتى الندوات التى كانت تقيمها الجماعات الثقافية كان الشعر هو القاسم الأكبر فيها ويشارك فيها كبار الشعراء ويحضرها جمع غفير، وعلى مستوى الطلبة العاديين «اللامثقفين» كانت أيضًا هداياهم للفتيات اللواتى يروقونهم هى دواوين شعر حديث لصلاح عبدالصبور أو أحمد عبدالمعطى حجازى وصولا إلى عبدالوهاب البياتى والسياب. وقد أحببت الشعر من حينها، وحينما اكتشف شاعر جميل أحس ببهجة كبهجة القبائل العربية مولد شاعر من أبناء القبيلة. ولمحبى الشعر استمتعوا معى بما يلى:

(القتيل والقاتل/ نائمان/ جنبا إلى جنب/... بمرور الزمن... ينتقل قلب أحدهما/ مكان قبل الآخر/ أو ربما يختلطان/ وينبتان وردة واحدة) هذه الأبيات الشعرية للشاعر التسعينى الشاب عماد أبوصالح، الذى تفتنى أشعاره ودواوينه القليلة التى تشى بشاعريته المفرطة وحساسيته الشديدة تجاه لغتنا الجميلة، والذى لم يأخذ حقه تمامًا نقديًا وجماهيريا، وربما يرجع ذلك لنأيه عن الحوارات الصحفية واللقاءات المتلفزة، وأراه مخلصًا لشعره ولتجربته الفريدة لذا تلزمنى تحيته، وهو يكتب ما أطلق عليه النقاد «الشعر الحر» وهو شعر فصيح لكن لا يعتمد على العروض والأوزان الشعرية وهو شعر يتمرد على عامود الشعر التقليدى وعلى شعر التفعيلة الذى تلاه ولم يف بغرضه، وعماد كمعظم شعراء جيله فى مصر والبلاد العربية يتوغل فى تفاصيل الحياة اليومية ومفارقتها الساخرة، مستخرجا من هذه الحياة البسيطة جوهرها ودررها وإيقاعها الحقيقى اللافت، ولعماد ثمانية دواوين فى مشواره الشعرى الذى بدأ عام 1995 بديوان «أمور منتهية أصلا» ثم توالت دواوينه (كلب ينبح ليقتل الوقت، عجوز تؤلمه الضحكات، أنا خائف، قبور واسعة، مهندس العالم، جمال كافر) وصولا إلى ديوانه الأخير الذى أصدره هذا العام وهو «كان نائما عندما قامت الثورة»..عماد لا يطبع شعره أو ينشره فى مؤسسات حكومية أو خاصة، قرر بقرار جرىء جدًا منذ طلته الشعرية أن يطبع أعماله على نفقته الخاصة ويوزعها على قرائه ومحبيه، ورغم أنه استقبل بحفاوة منذ الديوان الأول فى مصر وعربيا وتطلعت دور نشر كثيرة لنشر إبداعاته إلا أنه فضل أن يغرد خارج السرب، لكنى آمل أن تقنعه الهيئة العامة للكتاب بنشر مجلد شعرى يضم دواوينه السابقة حتى تكون متاحة لكل محبى الشعر وللباحثين، ولأحمس مسؤولى الهيئة الذين ربما لم يقرأوه لانشغالتهم بتمثيل مصر فى كل المحافل الأدبية بالخارج، سأذكر بعض أبياته – رغم أنى أخون بذلك نصه- وأرجو أن يسامحنى الشاعر الموهوب على ذلك.

1-«كنت أريد أن أقبلك فتتوقف الطلقات فى حلوق البنادق.. أن تحضنينى فيتعرقل جنزير دبابة فى وردة»، 2-«بحت حناجركم من الصراخ.. وكادت قبضاتكم تخرق السماء.. لكن الحرية عصفور يرتعب.. ويطير عالياً.. لئلا تمسك به كل هذه الأيدى.. لئلا تلتهمه كل هذه الأفواه الجائعة». 3- «هلال.. يبكى وحيدًا.. فى الليل (النجوم دموعه).. مرعوب من أن يصير قمرًا.. لأن الذى يكتمل.. ينتهى». فعلا أيها الشاعر الذى يكتمل ينتهى.