ما الذى نفهمه من حديث الرئيس فى حفل ليلة القدر؟!
نفهم أنه غاضب، وأنه غير راضٍ عن أمور كثيرة من حوله، وأن من بين هذه الأمور حكاية «تجديد الخطاب الدينى»، التى كاد الناس أن يملوا منها، إن لم يكونوا قد ملوها فعلاً، من طول تكرارها دون شرحها لهم كما يجب، ودون تبسيطها فى أوضح الكلمات، ودون فعل شىء حقيقى من أجلها أمام كل واحد فينا.
ونفهم، أيضاً، أن الرئيس كان قد طلب أشياء بهذا الخصوص، فى الاحتفال الماضى بالمولد النبوى، وأن شيئاً مما طالب به لم يتحقق، وأن الضيق من هذا عنده قد بلغ مبلغه، وأنه لم يجد طريقة يعبّر بها عن ضيقه، وعن غضبه، سوى أن يقول إن الجهد المبذول فى مجال مقاومة أفكار العنف والتطرف لا يكفى، وإنه، كرئيس، يُشْهد الله تعالى على أنه قد طلب كذا وكذا، من أهل الشأن فى هذا الموضوع، ولكن الاستجابة عندهم، كما يراها الرئيس ونحسها، لم تكن عند مستوى الطموح!
ولو سألتنى عن رأيى فسوف أقول لك إنى أشارك الرئيس غضبه، وضيقه، وعتابه على الذين كان عليهم أن يفعلوا شيئاً فى مواجهة أفكار الظلام، ولم يفعلوه.. ولكنى، فى الوقت نفسه، أعتبره مسؤولاً بأكثر ممن يعاتبهم هو.. أعتبره مسؤولاً لأنه الرئيس، ولأن موقعه يقتضى منه أن يذهب إلى ما يريده، ويحتاجه البلد، من أقصر طريق.. أعتبره مسؤولاً لأنه عندما يأتى فى حفل ليلة القدر، ليطلب الشىء نفسه، الذى كان قد طالب به قبلها بنحو ستة أشهر، فهذا معناه أن ستة أشهر قد ضاعت منه، ومنا، فيما لا يفيد.. مع أن أحوالنا لا تحتمل أن يضيع منا يوم واحد، فضلاً بالطبع عن أن تضيع ستة أشهر كاملة!
وعندما يصل ضيق رأس الدولة من ضآلة الجهد المبذول فى مكافحة الأفكار المخاصمة للعصر إلى هذا الحد فليس لهذا سوى معنيين: إما أن الذين كان عليهم أن يقوموا بمثل هذا الجهد قد قاموا به فعلاً، ثم لم يعلنوه علينا بالشكل المفترض، وإما أنهم لم يقوموا به على نحو ما كان يأمل الرئيس، منذ البداية، ليس لأنهم لا يريدون القيام به، وإنما لأن الرسالة من الرئيس إليهم، عند بدايتها، لم تكن بالوضوح الكافى، وبالتالى انخرطوا هم فى فعل شىء ليس هو الذى يقصده الرئيس ويريده.
وهكذا نكتشف أن القصة تدور وتدور، ثم تعود عند الرئيس، لأنه مرة أخرى هو المسؤول، ولأنه ليس مطلوباً منه أن يكون خبيراً فى كل ملف معروض عليه، ولكن المطلوب أن يكون إلى جواره رجال يفهمون جيداً فيما هو معروض عليه.. رجال من أهل الخبرة حقاً، لا أهل الثقة وحدها، كما نرى، فى أغلب الحالات!
إن عبارة «تجديد الخطاب الدينى»، التى أطلقها الرئيس فى حفل المولد النبوى، ثم عاد وكررها فى حفل ليلة القدر، عبارة شديدة العمومية، وإذا أنت سمعت عن جهة فى الدولة تقول إنها بدأت فى تجديد الخطاب الدينى فكن على يقين من أنها لن تفعل شيئاً، ليس لأنها لا تريد فعل شىء، وإنما لأن الشىء الذى عليها أن تفعله بالضبط ليس واضحاً عندها بما يكفى!
سيادة الرئيس.. نحن غاضبون بمثل ما أنت غاضب، وأكثر، ولكن هناك فرقاً بين غضب رئيس وغضب مرؤوس.. فالأول يملك، على عكس الثانى، أن يغير ما يغضبه، وأن يأمر بأفعال محددة على الأرض.. إنه رئيس دولة ليس فى حاجة إلى مقدمات، ثم إن وراءه تأييداً كبيراً من الناس يسنده.. فما الذى بالضبط يمنعه؟!