عودة «ترزية القوانين » لصالح مين؟

مي عزام الأربعاء 15-07-2015 21:37

عرف الإنسان القانون بعد أن استقر وعرف الزراعة، تجمعاته تحولت مع الوقت لأماكن لها حدود وخصوصية، كانت اللبنة الأولى لتأسيس الأوطان وترسيم حدود جغرافية لها. فى البداية ساد قانون البقاء للأقوى، ومع ظهور شخص أو فئة لها سطوة وهيبة تم السيطرة على جموح الجموع بوضع قواعد للمعاملات فى المجتمع تخدم مصلحة الحاكم فى المقام الأول وفى نفس الوقت تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع، القواعد أصبحت ملزمة للمجتمع بقوة العرف التى تسندها قوة الحاكم الذى أحاط نفسه بمجموعة من الرجال الأقوياء الأوفياء كانوا نواة للجيوش التى أصبح من مهامها الرئيسية حماية حدود البلاد.

عرفت مصر أول قانون وضعه مينا موحد القطرين، وتوالت التشريعات والقوانين ليس فى مصر وحدها ولكن فى كل المجتمعات الزراعية المستقرة، ودارسو تاريخ القانون لديهم معلومات وفيرة عن الاختلافات بين القوانين فى عصور ما قبل الميلاد، وطوال التاريخ كانت هناك قوانين سيئة السمعة وضعت لصالح فئات محددة، ولكن مع تطور الوعى الإنسانى وثورات الشعوب ضد ظلم أنظمة الحكم المختلفة، تطور الأمر ووضعت الدساتير التى حفظت حقوق الشعوب وجعلتها مصدر السلطات وجرمت الظلم والتمييز.

القوانين لها حدود، وهى الالتزام بنصوص الدستور وروحه، وهى فى الأساس توضع وتسن من أجل الصالح العام، وليس من أجل تحقيق مصلحة لفئة أو محاربة أخرى، والعدل هو الشعار الذى ترفعه المؤسسة المنوط بها تنفيذ هذه القوانين بين الناس وعليها الالتزام به.

دستور الدول لا يتم التعديل فيه كثيرا، فهو يتسم بالثبات النسبى، عكس القوانين التى يستدعى تغير الظروف إصدار الجديد منها أو تعديل القائم ليواكب حياة الناس وتطور المجتمع ومصلحة الأمة، يظل هدف القوانين إسعاد الناس وتحسين حياتهم ودرء الخطر عنهم وحمايتهم، فأى قانون يتعارض مع المصلحة العامة للناس مآله مزبلة التاريخ ولن يجد من ينفذه طواعية، وسيكون هناك دائما من يبحث عن ثقوب فيه لخرقه دون التعرض للعقاب، وهذه كانت وسيلة المصريين خلال عقود طويلة ماضية مع قوانين كانت تصدر من أجل صالح فئات بعينها على يد «ترزية القوانين»، مثل هذه القوانين كان هدفها تحقيق مزيد من السيطرة على الشعب ومقدراته لصالح نظام الحكم والمتحالفين معه.

المعروف أن القوانين تنفذ بعد العرض على نواب الشعب وممثليه وموافقتهم عليها، وفى حالة غياب البرلمان يصبح الأمر مربكا، الرئيس والحكومة فى حاجة لقوانين لتسهيل وتسيير الدولة، والحل الأمثل كان سرعة إنجاز الاستحقاق الأخير وانتخاب برلمان يساعد الحكومة فى عملها وأيضا يراقب أعمالها، ولكن هذا لم يحدث فالبلد فى حالة حرب على الإرهاب تجعل من تأجيل انتخاب البرلمان اختيارا مفضلا ومريحا لأننا لا نضمن البرلمان القادم وهل سيكون عونا للرئيس أم معرقلا له، والرئيس لا يتوقف عن إصدار القوانين التى يتم تطبيقها بعد العرض على الجهات المعنية فى الدولة بسرعة فائقة.

الإفراط فى إصدار قوانين فى غيبة ممثلى الشعب أمر مقلق، جمع السلطات التشريعية والتنفيذية فى يد شخص واحد «رئيس الجمهورية» يساهم فى تحويله إلى ديكتاتور وهو أمر لا أظن أن الرئيس السيسى يقبله ولا الشعب المصرى يرضاه.

لقد سئمنا من إفراط حكامنا فى محاولات السيطرة، السيطرة على العقول والأفكار والمصائر وتحديد الهوية ومحاولة إخراج أى صوت مخالف أو ناقد أو معارض من جنة حب الوطن والانتماء له، أساليب القرن الماضى، بحشد الإعلام وراء الزعيم دون كلمة نقد أو تصحيح، عفا عليها الزمن، كانت تفلح فى زمن التليفزيون الأبيض والأسود والتليفون الأرضى، أما الآن مع ثورة الاتصالات والتسريبات والسماوات المفتوحة، تصبح مثل هذه الأمور مسرحية هزلية ركيكة بدون جمهور.

القوة دون حكمة كارثة، والإفراط فى التلويح باستخدامها يفقدها النفوذ والتأثير، وللكون سننه ومن سنن الكون أنه لا عودة للوراء، ومن يبحث عن حلول فى الماضى سيظل سجينه ولن يتحرر أبدا حتى لو ادعى الثورية.

ektebly@hotmail.com