مصر الحال والأحوال: النفاق الفنى

عبد الرحيم كمال الأربعاء 15-07-2015 21:40

هل النفاق الفنى هو إحدى السمات المميزة للمجتمع الفنى المصرى، أم أنه آفة مجتمع كامل؟! ربما تشك أو تجزم أو لا تدرى، دائما لدينا كل الاحتمالات جائزة فأنت تلتقى كل يوم بأشخاص يسبون ويلعنون العمل الفنى الفلانى لكنهم يواظبون على مشاهدته ويصرخون من الغضب حينما يأتى ذكر برنامج المسابقات العلانى، ولكنهم لا يتركون منه ثانية تمر بلا فرجة، لا يقتصر ذلك على الجمهور بل يمتد إلى الجميع فتجد فى المقابلات التى تقوم على الصدفة، وتجمعك بصحفى أو ناقد أو صاحب فكر أو ممتهن لمهنة الفن، وما إن تصافحه حتى ينطلق الكلام عن الأعمال الفنية فتجده شخصا تشريحيا تحليليا قادرا على تفنيد الأعمال وإظهار عيوبها وإزهاق الأرواح الشريرة فيها بشكل عبقرى وواضح وجلى وتهنئه على البصيرة والقدرة والوعى الفنى، وتحمد الله أن رزق هذا البلد بمن يستطيعون أن يميزوا بين الغث والسمين، وتنام قرير العين، وفى اليوم التالى تفاجأ بذات نفس الشخص فى الصفحة الفنية لإحدى الجرائد أو المقال فى إحدى المجلات أو ضيفا منجعصا على الكرسى أمام الكاميرات فى أحد البرامج وهو يكيل المديح الزائف المبالغ فيه المستفز لذات نفس العمل الذى فنده أمامك بالأمس فى اللقاء العابر، فتجلس وسط أصدقائك صامتا كاظما لغيظك وتحاول أن تندمج معهم فهم أشخاص طبيعيون عاديون يمتهنون مهنا غير فنية، والكلام معهم هو الملاذ بعيدا عن حسابات المصالح، وتستمع إلى أحدهم وهو يمسح بلاط الكافيتيريا بأحد الأعمال الفنية التى يرى من وجهة نظره العادية وغير المتخصصة والأخلاقية فى النهاية فقط أنه عمل بذىء يخاطب الغرائز، ولا يراعى البيت المصرى ولا أعرافه ولا قيمه ولا الشهر الفضيل، ثم يصمت فجأة ويطلب من الجميع السكوت لأن العمل قد بدأ ويصف بطلته وهو فاغر الفم أمام الشاشة بالصاروخ بنت كذا وكذا وعيونه تحملق فى الشاشة فى ذهول، ويكون لزاما عليك أن تتركهم وتعود للبيت فالبيت هو الملجأ الأخير من الصديق المتناقض والفنان المتصالح لتجد زوجتك تتهم غالب المسلسلات بثقل الظل والسطحية والتفاهة واللامنطقية فتفرح بوجود رأى مختلف صادر من شخص قريب منك، وتجلس على الكنبة مرتاحا فتحكمك فى وجهة نظرها وتسرد عليك جميع الحلقات بالتفصيل فتسألها مندهشا عن سر متابعتها لأعمال مليئة بكل تلك العيوب فتشير لك أن تصمت فقد انتهت الإعلانات وبدأ المسلسل اللعين ليس أمامك إلا أحباب الله الأطفال طيبو القلوب الأبرياء فتجلس معهم وتلعب وتمرح وتسألهم لماذا لا تشاركون فى الفرجة على التليفزيون فيقلبون وجوههم فى ضيق وأسى ويردون بتلقائية: لأن بها حوارا تقول الأم إنه غير لائق تهز رأسك بإعجاب بفكرة المراحل السنية للفرجة على الأعمال حتى لا يتعرض الصغير لأفكار وكلمات ومشاهد لا تليق بعمره فتواصل معهم اللعب فى رضا، ومع أول اختلاف فى اللعبة بين الأطفال تفاجأ بألفاظ عجيبة تخرج من أفواههم وحركات بالأيدى وغمزات بالأعين لا تناسبهم على الإطلاق فتسأل عن مصدرها فيردون فى نفس واحد: ده فلان فى المسلسل فتسأل كيف تشاهدونه وقد منعت الأم الفرجة فيردون مبتسمين: على النت طبعا!!

إننا جميعا الجمهور، إننا جميعا فى النهاية نعترض ونناقش ونفند ونشرح ونحمى الأخلاق والدراما والقيم والفن والوعى، لكننا أيضا فى النهاية نستهلك تلك الفنون ونرضى عنها ونتابعها بل نحفظها عن ظهر قلب، والنفاق ليس سمة المجتمع الفنى وحده، لكنه سمة غالبة أصيلة تميزنا تماما كالريادة الفنية بالضبط نحن ننتقد ونرفض ما نقبله بشدة ونعترض على ونشجب ما يعجبنا فى زاوية خفية من زوايا نفوسنا ونهاجم ما نروج له ونستهلكه فى نفس اللحظة، الجميع فى ذلك سواء، أيا كان موقعه وصفته: جمهور عادى، أو ممتهن للفن، القائمة تثبت فى النهاية وبشكل جازم أن رامز واكل الجو مثلا هو أعلى نسبة مشاهدة فى الوطن العربى مع أنه أيضا هو الأعلى انتقادا وهجوما من قبل الجميع، هناك إذن مشكلة حقيقية، هناك ازدواج فيما نعلنه وما نخفيه هناك مجتمع يظهر ما لا يبطن ويلعن بلسانه ما يباركه بعينيه.