المثل الشعبى يقول: «اللى لسعته الشوربة ينفخ فى الزبادى»، نحن هنا بإزاء مواطن أخطأ مرتين، الأولى عندما لم يقترب من الشوربة بحذر، لم يفكر فى احتمال أنها ساخنة لدرجة الغليان، وأنها من الممكن أن تلسعه. وبعد أن لسعته، تحول إلى شخص حذر لدرجة مرضية، هو خائف من كل شىء يؤكل، إلى درجة أنه ينفخ فى الزبادى ليتأكد أنه لن يلسعه. كما ترى، فإن موقف هذا المواطن المسكين مدان فى الحالين. الواقع أن كلمة مدان فيها قدر كبير من التجنى، هو فقط مواطن مسكين يريد أن يحمى نفسه من اللسع. إنه ليس فردا أو مواطنا واحدا، بل هو جيل كامل من الكُتَّاب أنا منهم، تعرض للسع كثيرا فى أنظمة وعهود عدة. ليس من الشوربة، بل من المشاريع الوردية الطوباوية، خاصة تلك التى تستهدف حل مشاكل الشباب بضربة واحدة. أعترف بأنها حالة مرضية استولت على جيلى، ولعلها هى السبب فى اعتقادى أن المشروع الذى نشرته الزميلة «الوطن» للكاتب الدكتور المعتز بالله عبدالفتاح هو مشروع من ذلك النوع. المشروع بعنوان: «هل يتبنى السيسى الـ سى. سى. سى؟»، والذى طرح فيه تصورا لمشروع «سى. سى. سى» أو كتائب الخدمة المدنية، بهدف الاستفادة من طاقة الشباب العاطل فى مصر.
وعلى الفور اتصل المكتب الإعلامى لرئاسة الجمهورية بالزميلة «الوطن»، وأبلغها أن الرئيس عبدالفتاح السيسى اطلع على المقال وأصدر تعليماته للمجالس المتخصصة لدراسة ما جاء فيه.
ولنا ملاحظات أولية، عنوان المشروع لا يوحى بالجدية الواجبة فى مثل هذه المشاريع، بل يشير بقوة إلى أنه ينتمى لعالم الفانتازيا السياسية التى عانينا منها كثيرا، والتى تهدف فقط لمغازلة الشباب، ليس فى حديث المتحدث الإعلامى فى رئاسة الجمهورية بأن السيد الرئيس «رحب» بالمشروع كما أفاد عنوان الخبر، بل أوضح أن الرئيس اطلع على المقال وأصدر تعليماته للمجالس المتخصصة بالرئاسة لمناقشة الفكرة وإمكانية تنفيذها.
الكاتب يطلب الاستفادة من مراكز الشباب والجوامع والكنائس والمدارس، بالإضافة إلى أربعين ألف مؤسسة مجتمع مدنى «كمراكز تجمع للشباب الذين يمكن أن يستخدمها لخدمة المناطق والأحياء التى يعيشون فيها أو فى محيطها» فهمت حاجة حضرتك..؟
بالبلدى كده.. ها يعملوا إيه بالظبط؟..
الكلمات صنعتى.. غير أننى تعلمت أن الكلمات مثل أوراق النقد يمكن فكها إلى أفعال. بغير أن تكون الكلمات قادرة على التحول إلى أفعال واضحة على الأرض، فهى ليست أكثر من لا شىء.. بالله عليك، ماذا تفهم من الكلمات التالية: «البرنامج ليس بديلا ولا موازيا للخدمة العسكرية فى مصر. وإنما مسألة اختيارية للكثير من الشباب العاطلين عن العمل، بهدف أن يتحولوا إلى طاقات عمل وبناء.. (اللى هو إيه؟ ماذا هو ذلك العمل؟) فى مجالات مدرة للربح للدولة ولهم».
لا يوجد على الأرض ما يسمى مشاريع خاصة بالشباب. وهو ما دفع أنظمة سابقة للنصب عليهم (فاكرين مشاريع تمليك الأرض للخريجين وما نتج عنها من مآس؟ عندما اكتشفوا أن زراعة الأرض تتطلب أن تكون فلاحا وليس شابا خريجا) هناك مشاريع خاصة بالمجتمع.. بالبلد. الدولة ليست مسؤولة عن إيجاد وظائف لمواطنيها. هى مسؤولة فقط عن تمهيد الأرض لأصحاب الأعمال لكى يعملوا ويوفروا فى كل لحظة فرصاً جديدة للشباب.
مرة أخرى وليست أخيرة.. القضية هى فى نقص الشجاعة الواجبة للتحول إلى الاقتصاد الحر. وفى حتمية أن تتولى الدولة حمايته تماما كما تقوم بحماية المواطنين من الإرهاب.