رؤية الجماعات الإسلامية بعد المعاهدة (47)

مراد وهبة الأحد 12-07-2015 21:54

والسؤال إذن:

ما هى رؤيتها؟

تحديد رؤيتها من تحديد مسلكها، ومسلكها بعد المعاهدة بدايته اغتيال الرئيس السادات، وقد تم بلا مقاومة فى العرض العسكرى فى 6 أكتوبر 1981. وغياب المقاومة يعنى غياب جهازين: الأمن المصرى والأمن الأمريكى. ومعنى ذلك أن الاغتيال تم بالموافقة بين الجهازين مع تباين موقفهما من الجماعات الإسلامية. فجهاز الأمن المصرى يستند إلى عقيدة وطنية تتناقض مع تطلع الجماعات الإسلامية إلى إحياء الخلافة الإسلامية على كوكب الأرض. وجهاز الأمن الأمريكى يقبل الخلافة الإسلامية، ولكن بشرط أن تكون محدودة بالعالم الإسلامى. ومن هنا أصدر رئيس أمريكا جيمى كارتر قراراً سياسياً فى يناير 1979 بتدعيم الأصولية الإسلامية الأفغانية لطرد المحتلين السوفييت من الأراضى الأفغانية.

أما الجماعات الإسلامية فقد اغتالت السادات لأنه خان العقد المتفق عليه معها منذ أن أطلقها من المعتقلات وهو تأسيس دولة الخلافة الإسلامية. وأظن أن الأدق هو القول بأن السادات خدع ولم يخن، وخدعته تكمن فى أن الغاية من تلاحمه مع الجماعات الإسلامية لا تكمن فى إحياء الخلافة الإسلامية إنما فى تدمير العلاقة بين السوفييت والشيوعيين واليساريين والناصريين من أجل إفساح الطريق للتلاحم مع إسرائيل وأمريكا لاجتثاث الاتحاد السوفييتى من كوكب الأرض. ومن هنا يمكن القول بأن الكوكبية هى القاسم المشترك بين السادات والجماعات الإسلامية مع تباين رؤية كل منهما للكوكبية.

وتأسيساً على هذه المقدمة يمكن إثارة السؤال الآتى:

ماذا كان يدور فى ذهن حسين عباس، الجاويش بالقوات المسلحة والحاصل على بطولة الجيش للرماية لسبع سنوات متعاقبة، وهو يصوب الرصاصة القاتلة فى الرقبة تحت الترقوة اليمنى؟

كان يدور فى ذهنه ما كان يدور فى ذهن الجماعات الإسلامية أن السادات خائن يجب قتله. ووجوب قتله يلزم منه إحداث انقلاب عسكرى يطيح بنظامه لإحياء الخلافة الإسلامية. ولا أدل على ذلك من أن حسين عباس بعد أن أنجز مهمته فر هارباً إلى منزله ثم عاد بعد ذلك إلى مكان العرض العسكرى ليشارك فى الانقلاب العسكرى إلا أنه لم ير شيئاً من هذا القبيل فقد غادره الجميع: السادات إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى فى حالة غيبوبة تامة والآخرون إلى حيث أرادوا. ومع ذلك فإن محاولة إحداث انقلاب فى نظام الحكم لم يكن مكانها فى ساحة العرض العسكرى إنما مكانها فى أسيوط، حيث جامعة أسيوط معقل الجماعات الإسلامية. ومن هنا قرر المقدم عبود الزمر وهو من زعماء الجماعات الإسلامية الاستيلاء على مبنى المحافظة فدارت معركة شرسة بينه ومن معه من أعوان وبين جنود الشرطة قُتل فيها أكثر من مائة جندى. ومع ذلك انتهت المعركة بهروبه إلى مخبئه بالجيزة، حيث قبض عليه بعد يومين. واللافت للانتباه أن القوات المسلحة لم تتحرك لتأييد ما قيل عن أنه ثورة إسلامية. وهكذا يمكن القول بأن ثمة تناقضاً حاداً بين الجيش والإخوان المسلمين بحكم التناقض بين العقيدة الوطنية للجيش والعقيدة الإسلامية الكوكبية لحركة الإخوان المسلمين. ومن شأن هذا التناقض الحاد أن يكون إقصاء الجيش للإخوان أمراً محتوماً. إلا أن هذا الإقصاء لن يكون ممكناً إلا بقيادة فكرية علمانية تؤسس لعلاقة عضوية مع الجيش للتخلص من التيار الأصولى المتمثل فى الإخوان بحكم التناقض الحاد بين العلمانية والأصولية. وبغير هذا التأسيس ليس فى الإمكان إخراج مصر من ذلك التناقض الحاد القائم منذ ثورة يوليو حتى الآن.

هذه هى إشكالية مصر بعد اغتيال السادات فما هى إشكالية إسرائيل بعد مذبحة صبرا وشاتيلا؟