قد يكون أتيح لى وأنا شاب صغير فى نهاية رحلة الدراسة الثانوية وبدء الدراسة فى كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول آنذاك أن أتعرف إلى بعض شباب الحزب الوطنى- الحزب الوطنى الأصلى أو الحزب الوطنى «الوطنى» كما كان يؤثر أن يقول أستاذنا المرحوم فتحى رضوان الذى كان آخر رؤساء الحزب الوطنى «الوطنى» وكان أول وزير للإرشاد بعد ثورة 1952 التى قادها جمال عبدالناصر.
أتيح لى بحكم ما تقدم أن أسمع اسم «عبدالحميد سعيد» الذى كان مناضلاً فى الحزب الوطنى وكان زميلاً لشهيد التضحية والكفاح محمد فريد الذى تولى ريادة الحزب بعد مصطفى كامل وأنفق ثروته الضخمة التى ورثها عن أبيه من أجل بناء الحزب وبناء الحركة الوطنية ومات مغتربا فقيراً فى باريس ولم يجد من ينقل جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير إلاّ تاجراً من الزقازيق وهو الذى تكفل بنفقات الجنازة الطويلة التى قال فيها العقاد: «ما كان أطولها طريق جنازة.... وكذاك شأنك فى الكفاح طويلاً».
ونعود إلى حديثنا عن «عبدالحميد سعيد» الذى كان من زملاء محمد فريد وكان من شباب الحزب الوطنى «الوطنى» الذين جمعوا التوكيلات للمطالبة بإنهاء الاحتلال البريطانى وبوضع دستور جديد لمصر. وكان على رأس هذه الحركة من شباب الحزب الوطنى «الوطنى» مصطفى النحاس الذى قد لا يعرف الكثيرون أيضا أنه بدأ حياته فى الحزب الوطنى قبل أن ينشأ حزب الوفد.
أما «عبدالحميد سعيد» فقد حرص بعد الإعلان عن دستور 1923م وبعد الإعلان عن الانتخابات البرلمانية الأولى فى ظل ذلك الدستور والتى كان الصراع فيها بين أنصار الملك فؤاد وأنصار سعد زغلول، وطبعاً كان عبدالحميد سعيد من أنصار سعد زغلول وكان فعلاً فى هذه الانتخابات الأولى وكان من أبرز أعضاء ذلك البرلمان، وقد يحسن أن أشير هنا إلى أن عبدالحميد سعيد تقدم إلى جامعة باريس- مدرسة الحقوق- برسالة للحصول على درجة الدكتوراه فى القانون الدستورى وكان موضوع الرسالة هو « تاريخ مصر السياسى من عهد محمد على إلى الثورة العرابية وبدء الاحتلال البريطانى» وتعتبر الرسالة وصفاً أساسياً عن تلك الفترة الحساسة فى تاريخ مصر. وقد كان حصول عبدالحميد سعيد على درجة الدكتوراه فى عام 1912م فى وقت كان الحصول فيه على هذه الدرجة العالية أمراً نادراً بل إن الحصول على الثانوية العامة أو البكالوريا كان أمراً يعد من الخوارق.
هذا عن الجانب العلمى فى حياة عبدالحميد سعيد ولكن يجدر بى أن أشير هنا إلى أول مكان أرى فيه صورة عبدالحميد سعيد وكان ذلك المكان هو جمعية الشبان المسلمين الكائن مقرها حتى الآن فى شارع رمسيس فى قلب القاهرة، وقد تم تشكيل تلك الجمعية فى شهر نوفمبر 1927م وانتخب مجلس إدارتها الأول وكان عبدالحميد سعيد هو أول رئيس مجلس إدارة لهذه الجمعية العريقة.
وإذا كان عبدالحميد سعيد مصرياً عميق الانتماء لمصر ولترابها ونيلها وأهلها فإنه أيضا كان عروبياً أصيلاً. وبطبيعة الحال فإن جمعية الشبان المسلمين التى أسسها وكان أول رئيس لها. كانت الجمعية تدافع دفاعاً قوياً عن القضية الفلسطينية وفى اجتماع جمعية الشبان المسلمين بتونس عام 1937م أثارت الجمعية احتجاجاً شديداً ضد الممارسات العنصرية الصهيونية فى حق عرب فلسطين وكذلك دعم الاستعمار البريطانى للحركة الصهيونية ضد عرب فلسطين.
كان عبدالحميد سعيد عضواً بارزاً فى مجلس النواب؛ فقد وجه مجموعة من النواب أسئلة إلى حكومة محمد محمود للاستفسار منها عما تنوى الحكومة أن تفعله إزاء الإهانات التى تتعرض لها فلسطين، وكما قال عبدالحميد سعيد فى هذا الصدد «إن فلسطين الشقيقة المعذبة التى تربطها وإيانا روابط قوية ومتينة تأكلها النيران أكلاً. وتنتابها المصائب وينصب عليها العذاب. إن السياسة الإنجليزية اليهودية ترمى إلى إقامة دولة يهودية. إن المسجد الأقصى فى خطر».
وما زال كل العروبيين يقولون ما قاله عبدالحميد سعيد ولا تزال إسرائيل تعبث بأمننا القومى ولا تجد من يوقفها عن حدها وما زال العالم ينظر إلينا باستخفاف وازدراء.
أحب فى نهاية هذا المقال أن أوجه شكراً جزيلاً إلى الأستاذ الدكتور إبراهيم عثمان شاهين الذى تكرم بأنه أهدانى كتابه القيم الذى ألفه عن المناضل العظيم عبدالحميد سعيد.
جزاه الله عنى وعن كل مناضل عربى خير الجزاء.
والله المستعان.