من الطبيعى أن يتصدر خبر وفاة النجم عمر الشريف مختلف نشرات المحطات التليفزيونية العالمية وأن يتصدر أيضا مانشيتات كبرى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وأن ينعاه كبار نجوم العالم. فبرحيله فقد فن التمثيل أحد أهم أعمدته وآخر الموهوبين فى العالم فى فن التشخيص. لم يترك الشاب الذى اختاره يوسف شاهين لبطولة فيلم «صراع فى الوادى» قبل أكثر من 60 عاما دون سابق خبرة فى فن التمثيل فرصة ليشق بها طريقه إلى قلوب الجماهير فى مصر والعالم العربى إلا وقد اقتنصها. رغم سنوات الابتعاد عن الساحة الفنية العربية وتحديدا المصرية إلا أن الشريف كان متابعا جيدا لكل ما هو جديد فيها ومتابعا جيدا لأفلامها وجديدها الفنى. لم يرفض الشريف الدعوات التى وجهت إليه لتقديم أعمال على الشاشة المصرية بل كان يرحب ويبحث لنفسه عن عمل يعود به إلى جمهوره العربى حتى إنه وافق على عرض قدمه إليه المخرج الراحل صلاح أبوسيف عندما رشحه لتقديم دور العمدة الانتهازى فى فيلم «المواطن مصرى» رغم أن ملامحه الشكلية كانت بعيدة عن الدور، لكن رغبة الشريف الملحة فى العودة بعمل يثير جدلا شجعته على المغامرة وتقديم الدور بطريقته الخاصة. الشريف كان مؤمنا بالمواهب دون النظر إلى تاريخها لذلك ترك عالميته على باب البلاتوهات وسلّم نفسه للمخرجين الشبان الذين تعامل معهم كفنان هاوٍ ومنهم هانى لاشين فى فيلميه أيوب والأراجوز وطارق التلمسانى فى فيلم ضحك ولعب وجد وحب ورامى إمام فى حسن ومرقص وأحمد ماهر فى المسافر. ظل عمر الشريف هو المتحدث الرسمى باسم المصريين والعرب على شاشات العالم فى باريس وهوليوود وروما ومدريد وغيرها من الدول التى قدم أعماله بها.
وطنية عمر الشريف لا يمكن إنكارها وموقفه من مهرجان القاهرة السينمائى خير دليل على ذلك. فعندما تبدلت إدارات المهرجان ووجدت وزارة الثقافة نفسها فى موقف لا تحسد عليه كان عمر الشريف هو الحل السحرى للخروج من مأزق تواجد نجوم العالم فى المهرجان والعودة به إلى مصاف مهرجانات العالم الـ11 الكبرى. وافق عمر على أن يكون رئيس شرف المهرجان وأن يكون فى استقبال النجوم على المسرح بل تكريمهم فى وقت تخلى فيه كبار النجوم المصريين عن المهرجان ورفضوا حتى التواجد فى حفلى الافتتاح والختام. وهو نفس الأمر الذى تكرر عندما دعته إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائى للاحتفاء بفيلمه المسافر، حرص عمر على التواجد وحضور الندوة والدفاع عن فيلمه رغم غضبه من الصورة النهائية للعمل ورفض وقتها إبداء اعتراضه أمام وسائل الإعلام. الممثل المصرى الذى احتفظ أينما حل ببريق النجم وخطف الأضواء رغم المشيب.. عنى فى السنوات القليلة الماضية بالمشاركة فى أفلام مصرية وأجنبية تدعم التسامح الدينى والإنسانى. ولم يكن عمر الشريف فى هذا الخيار ينطلق من مشاركات غير واعية بدور الفن بل كان يرى نفسه ملتزما بقضية الإنسان أيا كان دينه وعبرعن ذلك فى مقابلة تلفزيونية فى الآونة الأخيرة قائلا «شىء سخيف أن يتصارع أصحاب الديانات وأن يتصارع أصحاب الدين الواحد».
وكان الشريف زميل دراسة للمفكر الفلسطينى إدوارد سعيد (1935 -2003).
ودخل الإسلام قبل نحو 60 عاما ويراه كثيرون رمزا للتسامح الدينى ونتاجا لأجواء من التسامح الإنسانى وقبول الاختلاف مع الآخر.
وغير ذلك من المعانى التى كانت سائدة فى مصر حتى صعود التيارات الإسلامية المتشددة فى السبعينيات. وأدى الشريف عام 2003 دور العجوز إبراهيم فى الفيلم الفرنسى «مسيو إبراهيم أيه ليه فلير دو كورآن) المقتبس من رواية الفرنسى -البلجيكى إريك إيمانويل شميت (السيد إبراهيم وزهور القرآن) وفاز عن دوره بجائزة أحسن ممثل (جائزة سيزار الفرنسية) فى فبراير عام 2004.