محمد المنسى قنديل، أحد أهم الروائيين وكُتّاب القصة القصيرة من جيل السبعينيات، صاحب قلم سحرى وساحر فى استلهام التاريخ روائيا، وهو بالأساس طبيب تخرج فى كلية طب المنصورة عام 1975، ابن مدينة المحلة الكبرى بالغربية، التى قدمت للمشهد الثقافى باقة من أرفع الأدباء والمفكرين، منهم الدكتور جابر عصفور والدكتور نصر أبوزيد وسعيد الكفراوى وجار النبى الحلو وفريد أبوسعدة ومحمد صالح.
عمل المنسى قنديل بمحافظة المنيا لعام ونصف قبل أن ينتقل للتأمين الصحى بالقاهرة، ثم اعتزل مهنة الطب وتفرغ للكتابة .
■ ما المحطات التى شعرت فيها بالندم على قرار اتخذته أو قرار لم تتخذه؟
- مازلت أشعر بالندم على عدم إنجاز رواية مهمة كنت بصدد كتابتها وأنجزتها فى شكل مسودة، وكانت هذه الرواية بعنوان «جواز سفر»، وفكرتها أننى أردت كتابة قصة وأجواء كل ختم موجود على جواز سفرى، وما أحاط به هذا الأمر من دراما سواء فى مصر أو الدولة التى سافرت إليها، فكل ختم من هذه الأختام كان مرتبطا بتجربة غنية، وكل الأختام مثلت تجارب متعددة الأوجه، فكل ختم يعنى رحلة سفر وتجربة، وهذه التجارب تعنى الاطلاع على ثقافة الآخر، وحالات تجلٍّ مختلفة وغنية، فيما أن البطل واحد وهو المسافر دائما بجواز السفر هذا، وبعد أن كتبت مسودتها لم أجدها، وحزنت جدا وكأنها سرقت حتى إننى لجأت لأشياء لم أكن أؤمن بها، حيث نصحنى أحد الأصدقاء باللجوء لأحد الشيوخ الذين يقرأون الطالع فقال لى أشياء كثيرة، منها ابحث عن أقرب الناس إليك، أو ابحث عنها فى مكان يحيط به الماء وأشياء من هذا القبيل، لكننى لم أصل لنتيجة، وتملكنى الندم لأننى أضعتها.
■ هل تشعر بالندم على أشياء أخرى لم تكتبها بعد؟
- نعم.. فأنا أذكر حينما كنت فى الثانوية كتبت فى كراساتى روايات وقصصا قصيرة كثيرة وأفكار قصص وروايات أيضا، ولما عرفت طريق النشر لم تكن منابر النشر تتيح نشر الأعمال الطويلة، فأرغمت نفسى على كتابة نصوص قصيرة أو متوسطة ونشرت فى مجلة «أقلام» الكثير من هذه الكتابات، وأيضا فى مجلة «إبداع»، لكننى أهملت كتابة الأعمال الطويلة لفترة، وحين أتيحت فرص نشر الأعمال الطويلة ندمت على هذا، وندمت على بعض الروايات أو أفكار الروايات التى كتبتها فى مطلع شبابى ولم أجدها.
■ هل تشعر أن الزمن مر سريعا لدرجة أشعرتك بالندم؟ وهل هذا يفسر هاجس ولعك بالتاريخ واستلهامك له، وهل ندمت على توقفك عن الكتابة لنحو9 سنوات؟
- أما عن استلهامى للتاريخ فربما يعود إلى أن مسألة التاريخ تترجم فكرة صراعنا مع الزمن لأنه صار يمر بأسرع مما ينبغى، وأننا نادمون على وقت طويل لم نكتب فيه، وبعد رواية «إنكسار الروح» وبعد آخر جملة وقبل أن أنتهى من صياغتها النهائية، كتبت رواية أخرى اسمها «آدم من طين»، وهى تقع فى مائة صفحة فقط، وتوقفت مع أواخر الثمانينيات أو بداية التسعينيات وقلت لنفسى «مش هاقدر أكتب أى حاجة»، وفى 1997 فجأة أحسست برغبة عارمة فى الكتابة فبدأت أكتب فى أماكن غريبة مثل صالات الانتظار فى المطارات أو فى الطائرة فى السفر الطويل أو فى الفنادق المنعزلة فى أفريقيا، فأصدرت مجموعتى القصصية «عشاء برفقة عائشة» إلى أن قمت برحلة طويلة لأواسط آسيا أثناء عملى بمجلة «العربى الكويتية» وسافرت إلى أوزبكستان، وهناك شدتنى بقوة شواهد التاريخ الإسلامى العريق وتملكتنى الرغبة فى ضرورة الكتابة، واحتشدت لإنجاز عمل يستلهم ما رأيت، وقرأت وعكفت على البحث، ولم تكن شبكة النت العنكبوتية متاحة مثلما الآن فرجعت إلى الكثير من المصادر التاريخية وكتبت «قمر على سمرقند» وعدت بقوة للرواية، وكأن هذا كان علاجا للندم على ما فاتنى، وعلى الزمن الذى غافلنى ومر سريعا.
■ بخصوص هذه الرواية تحديدا أذكر أن هناك مشكلة حدثت بخصوصها، وأنها تعرضت لمقص الرقيب.. فهل شعرت بالندم لما لحق بها؟
- لم أفعل ما يستحق الندم بشأنها، ولكننى شعرت بالندم لأننى نشرتها فى دار الهلال، فرغم تقديرى لتاريخها الثقافى والمعرفى العريق، الذى شكل جزءا كبيرا من ثقافتنا، تمنيت أن أنشر فيها عملا فدفعت إليهم بهذه الرواية، فإذا بهم يذبحون الرواية ربما لسبب سياسى، فأعدت نشرها كاملة فى دار الشروق وأعيد طبعها أكثر من مرة، وندمت على أننى نشرتها فى دار الهلال.
■ بالرجوع إلى روايتك «انكسار الروح».. هل بها شخصية استلهمتها من تجربة ندمت عليها؟
- كل الذين استلهمت شخصياتهم أو كتبت عنهم أحبهم، أشرارا كانوا أم أخيارا، ولا أذكر أننى كتبت عن شخصية أكرهها أو ندمت على معرفتى أو علاقتى بها، لأننى شعرت أننى بقدر ما أعطيت أخذت.
■ تعاقب على المشهد الثقافى عدد من وزراء الثقافة، فمن الذى سعدت بقدومه وزيرا، ومن الذى حزنت لتوليه المنصب؟
- كل وزراء الثقافة الذين تعاقبوا على المنصب منذ عهد مبارك سيئون، لأنهم كانوا من خارج العمل الثقافى إلا جابر عصفور لأنه شخصية ثقافية ومفكر كبير ومتفهم طبيعة العمل الثقافى وآلياته، لكن وزيرا مثل فاروق حسنى مثلا حوّل رسالة الوزارة إلى مهرجانات واحتفاليات ومؤتمرات، وخسرنا فى عهده آثارا ومخطوطات أكثر مما كسبنا من الفعاليات التى كان يقيمها.
■ تشهد لجابر عصفور لأنه صديق عمرك وبلدياتك؟
- لا، بل لأنه قامة فكرية.
■ فما الذى أضافه أثناء توليه الوزارة؟
- كان دينامو وأنجز الكثير،
■ لكن فاروق حسنى الذى لا يعجبك هو الذى أتى بجابر عصفور أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة، حتى أشيع أنه كان أداة الوزير فى تدجين المثقفين؟
- لا تنسَ مثلا أنه أسس مشروعا مهما لايزال باقيا ويواصل عطاءه وهو «المشروع القومى للترجمة»، «وكل الوزراء تسلموا الوزارة خربانة وسلموها خربانة »، وقد اغتالوا جهود جابر عصفور حين كان يحاول الإصلاح فى مناخ لا يساعد على الإصلاح والترميم فى العمل الثقافى.