القتل موعدنا فى رمضان

أحمد الشهاوي السبت 11-07-2015 21:35

وضربوا فيما بينهم شهر رمضان موعدهم للقتل.

جملةٌ تتكرر كثيرًا فى كتب التراث، تشير إلى اجتماع القتلة على اختيار الشهر الكريم موعدًا للقتل غِيلةً لحسابهم أو لحساب آخرين، مُتقنِّعين بالدين، وهم يبتغون السُلطة والحكم.

وكان المسجد عادةً مكانًا للاغتيال، إذْ هو مقصد المُصلِّى، حيث لا يتخلَّف الخليفة عن إمامة المسلمين، وما أن يدخل المسجد، أو يبدأ فى الصلاة، حتى تمتد إليه السيوف مُقطِّعةً ونافذةً.

ومنذ الاغتيال الأوَّل فى الإسلام للصحابى سعد بن عبادة، لرفضه مبايعة أبى بكر الصديق خليفةً للمسلمين، بدأت عمليات الاغتيال تتوالى، ويقوم بها مسلمون ضد مسلمين فى ولايات وإمارات تنضوى تحت الخلافة الإسلامية، بل كان يسافر نفَرٌ من العراق أو اليمن أو الشام- مثلا- لتنفيذ الاغتيال فى مصر، وما أكثر الحوادث التى تمَّت بالفعل، بتحريضٍ من خلفاء وصحابيين.

وما الاغتيال هذا إلا أول صراعٍ على السلطة، والاستمساك بمغرياتها، إذ هم يطلبون نعيم الدنيا (المال والنفوذ والسلطان و... )، والفوز بنعيم الآخرة (عبر القتل والاغتيال والتخلُّص من الخصُوم والإقصاء والنفى تحت زعم الدين والتستُّر به).

إنَّ جماعات وحركات الإسلام السياسى المُسلَّحة لا تجد غضاضةً فى أن تمارس القتل فى رمضان تأسيًا بأسلافهم، كأنها سُنَّة استنَّها القتلة منذ تأسيس الدولة الإسلامية الأولى، أى بعد وفاة النبى محمد. هذه الجماعات تعرف- بالطبع- أن الخليفة الرابع على بن أبى طالب قد اغتيل بسيفٍ مسمُومٍ شجَّ رأسه، ومات بعد ثلاثة أيامٍ فى التاسع عشر من رمضان، وهو فى المسجد يؤدى صلاته، مثلما اغتيل عمر بن الخطاب وهو يُصلِّى أيضًا.

إن هؤلاء الخوارج القدامى والمحدثين لا يشغلهم دين، ولا شهرٌ للصيام، لكنهم يعرفون فقط حماية مصالحهم، والاستيلاء على السلطة عن طريق «أسنَّة الرماح»، إذْ الاغتيال نهجهم الذى اعتادوه، ومارسوه كثيرًا دون وازعٍ من ضميرٍ أو إيمانٍ بالله ورسوله.

وهل ينسى أحدٌ منا كيف سعى معاوية بن أبى سفيان إلى تدبير اغتيال مالك بن الحارث الأشتر النخعى الذى عيَّنه على بن أبى طالب واليًا على مصر، حيث اغتيل مسمُومًا، وهو فى طريقه لتسلُّم الولاية، التى كان يعرف كل من على ومعاوية مكانتها، وثقلها التاريخى والحضارى والبشرى.

وتشير المصادر إلى أن عمرو بن العاص قد قال لمعاوية، وهو يساعده فى قتل على بن أبى طالب (اجعل لى مصر طعمة ما دامت لك ولاية)، ومنذ كلمة عمرو بن العاص، ويتصور تجَّار الدين أن مصر سبيَّة، أو تركة، أو لقمة سهلة وسائغة لهم، وهى غير ذلك تمامًا، ولن تكون إلا موطنًا للآمنين «ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ» (يوسف 99).

فمثلًا لما ذاع صيت عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، وبرز اسمه، ولمع نجمه، وتحدث الناس به، ومالت قلوبهم إليه فى حمص، حيث كان أميرًا عليها، أمر الخليفة معاوية بن أبى سفيان مؤسِّس الدولة الأموية، وأحد الذين كتبوا الوحى بالتخلص منه، وقد قُتل مسمُومًا، بعدما استطلع معاوية رأى الناس فيمن يتولَّى الخلافة بعده، فقالوا فى نفَسٍ واحدٍ: عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، فعزم لحظتئذٍ على قتله، ليفتح الباب أمام ابنه يزيد، ليتولَّى الخلافة من بعده، بعدما كبرت سِنُّه.

هكذا كان يمارس الخلفاء القتل، وما فعله معاوية قتلًا أكثر من أن يُحصى، وكتب الاغتيال والمَقَاتِل والمحن، وكذا كتب سير القتلى لاتزال بين أيدينا.

حيث قتَل معاوية بن أبى سفيان خلقا كثيرًا من آل محمد، صلى الله عليه وسلَّم، منهم حجر بن عدى الكندى الصحابى الجليل، وستة من أصحابه وهم شريك بن شداد الحضرمى، وصيفى بن فسيل الشيبانى، وقبيصة بن ضبيعة العبسى، ومحرز بن شهاب المنقرى، وكدام بن حيان العنزى، وعبدالرحمن بن حسان العنزى.

وروى المسعودى فى (مرُوج الذهب)، أن معاوية (ابن هند أكلة الأكباد) حبس صعصعة بن صوحان العبدى وعبدالله بن الكواء اليشكرى ورجالا من أصحاب على بن أبى طالب مع رجال من قريش فدخل عليهم يومًا فقال: ناشدتكم الله إلا ما قلتم حقًّا وصدقًا، أى الخلفاء رأيتمونى؟ فقال ابن الكواء: لولا أنك عزمت علينا ما قلنا، لأنك جبار عنيد لا تراقب الله فى قتل الأخيار، ولكنا نقول:

إنك ما علمنا واسع الدنيا ضيق الآخرة تجعل الظلمات نورًا، والنور ظلمات... إلى آخر القصة.

كان أوَّل من هدم ركن الشورى فى الإسلام وتبعه قومه.

وقال ابن رشد «إن أحوال العرب فى عهد الخلفاء الراشدين كانت على غاية من الصلاح فكأنما وصف أفلاطون حكومتهم لما وصف فى (جمهوريته) الحكومة الجمهورية الصحيحة، التى يجب أن تكون مثالاً لجميع الحكومات، ولكن معاوية هدم ذلك البناء الجليل القديم، وأقام مكانه دولة بنى أمية وسلطانها الشديد، ففتح بذلك بابًا للفتن التى لاتزال إلى الآن قائمة قاعدة حتى فى بلادنا هذه (يقصد الأندلس)».

ahmad_shahawy@hotmail.com