تحريم الفن نتيجته الطبيعية نفرتيتى سمالوط

خالد منتصر الخميس 09-07-2015 21:31

لم يكن تمثال نفرتيتى القبيح وارد سمالوط والذى كان مثار سخرية وسائل التواصل الاجتماعى على مدار الأسبوع مفاجأة لى، فبمجرد زيارة لقسم النحت فى كلية الفنون الجميلة سيزول اندهاشك وتعرف إجابة سؤالك، لماذا صار أحفاد الفراعنة ينحتون مثل هذا المسخ!، أقسام النحت صارت خرابات ومعظم الطلبة مقتنعون بأنهم يمارسون إثماً ويرتكبون جرماً ويفعلون حراماً، والفنان لا يستطيع أن يبدع فى مثل هذا المناخ الفاشى المؤثم الذى يزرع فى الفنان إحساس الذنب المزمن، يظل الطالب فى قسم النحت نتيجة هذه الأفكار الكارهة للفن والحياة يتمنى أن يتحول أزميله إلى معول يهدم به تلك الأصنام، ولم لا وتمثال طه حسين قد تحطم على أيدى المتطرفين فى المنيا وهى نفس المحافظة التى ظهر بها هذا المسخ المشوه لأجمل سيدة فى التاريخ؟!، ولم لا والسلفيون نجوم المرحلة قد حجبوا وغطوا عورة تمثال حوريات البحر فى الإسكندرية وقاموا أثناء مليونياتهم فى النهضة بتشويه تمثال نهضة مصر لمختار؟!، طالب قسم النحت هو ابن تلك المرحلة وأى فنان هاو للنحت حتى ولو من خارج الكلية هو إفراز لتلك الحقبة السوداء من تاريخ مصر التى سيطر فيها المزاج الوهابى على وجدان هذا الوطن المنكوب.

ليس النحت فقط هو المكروه والمحرم فى أذهان أبناء مرحلة التجريف الثقافى الوهابى بل الفن التشكيلى عموماً هو منطقة ملغومة محرمة آثمة نجسة، صار التمثال هو الصنم، وصارت اللوحة هى محاكاة إجرامية آثمة لما خلقه الله، ورغم أن القرآن لم يحرم الفن التشكيلى إلا أن التحريم جاء عبر أحاديث صدرها السلفيون للوجدان والعقل المصرى فصار على خصام مع هذا الإبداع، الأحاديث هى:

- «من صور صورة فى الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ».

- «كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صورها نفس فتعذبه فى جهنم».

- «ان الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة».

- «إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون».

ظل الفنانون المسلمون فترة كبيرة بسبب سيطرة هذا الفكر يعيشون أسرى صراع حاد ما بين التزامهم الدينى ورغبتهم الفنية، فآثر معظمهم السلامة وانحصر إبداعهم فى فنون الخط العربى والزخرفة الهندسية والتوريقية والمنمنمات وغيرها مما يحميهم من مظنة التجسيم وتهمة محاكاة الرب، لكن المهم ما هو المنهج الذى تعاملنا به مع هذه المسألة بعد أن أصبح للفن التشكيلى كليات ومدارس ومناهج تدرس ومعارض تقام ووزير فنان تشكيلى كان يتحمل مسؤولية الثقافة طوال عصر مبارك؟، وبالطبع لا أقصد بالمنهج كلام الجماعات المتعصبة أو حتى رجال الأزهر، ولكنى أقصد من تصدى من المثقفين لمناقشة هذه المشكلة وفك هذا الاشتباك المحتدم، فقد حاول البعض منهم تعليل كراهية الإسلام للتشخيص بأن الفنان المسلم رأى أنه «مهما حاول أن يصور الطبيعة فلن يبلغ مبلغ الكمال الذى يكون عليه صنع الله تعالى» (د. أميرة مطر كتاب فلسفة الجمال ص 51)، وهذا تبرير لو أصاب لتوقف كل الإبداع فنيا كان أو علميا فستتوقف صناعة الطائرات لأنها لن تستطيع أن تحاكى قدرة النسور، والكمبيوتر لأنه لن يصل إلى مستوى المخ البشرى، فالفن ليس محاولة لتنصيب الفنان بدرجة إله، وإنما هو محاولة لتنصيبه ضمير عصره، حاول آخرون أن يجدوا مبرراً آخر فلجأوا إلى حيلة أخرى وهى محاولة إثبات أن الفنان المسلم قد سبق عصره فهو قد سبق الغرب فى التجريد الذى يقود قاطرة الفن التشكيلى العالمى حاليا، فتقول الدكتورة وفاء إبراهيم فى كتابها فلسفة فن التصوير الإسلامى ص 46 «مفهوم الجمال الإسلامى يتحدد فى تدريب الذات الإنسانية على الانتقال من المحسوس إلى المجرد، ومن التعدد إلى الوحدة، ومن المتناهى إلى اللامتناهى، ومن الجميل إلى الجليل» وكأن هناك تعارضاً ما بين الجميل والجليل!!، وتكتمل المحاولة بالتنقيب فى اللغة فيقول د. محمد عمارة فى كتاب الإسلام والفنون الجميلة ص 119 «إن الصورة فى الأحاديث معناها التمثال وليس اللوحة»، يقول هذا بالرغم من وجود حديث يأمر فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول «أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع لها وثناً إلا كسره، ولا قبراً إلا سواه ولا صورة إلا لطخها»، أى أن الوثن أو التمثال شىء والصورة شىء آخر.

كل تلك التبريرات السابقة هى نتاج منهج خاطئ وفهم متعسف يعقد المشكلة ولا يحلها، ويجعل علامة الاستفهام مستفزة ومحيرة، خلاصة القول إن الفن والدين ليسا طرفين متنافسين فى مباراة للشطرنج لابد أن تنتهى بكش ملك، وإنما هما طرفان شريكان فى تجميل الواقع وكشف الحقيقة ولمس الخلود وإضفاء معنى على هذه المسيرة الغامضة المسماة الحياة.

Info@khaledmontaser.com