دستور يا أسيادنا

سحر الجعارة الخميس 09-07-2015 21:29

حاولت طويلاً محو الذكريات المؤلمة من ذاكرتى، مشاهد تردنى إلى عهد الانحطاط حين حكم مصر «المرشد وعصابته»، وكنت أتلقى رسائل تهديد على جهاز «الآنسر ماشين» وعلى تليفونى المحمول، وذات يوم حملت الجهاز وسعيت للإبلاغ فى إدارة الاتصالات بوزارة الداخلية التى لم تحرك ساكناً!!.

كانت سيارتى تتعرض للتحطيم المنظم من التنظيم الإرهابى، على سبيل التهديد، لكننى لم أفقد إيمانى بالوطن ولم أكفر بشعب يحتاج إلى «كلمة» تحركه ليغير مصيره.. نعم، كنت- ومازلت- مثل معظم الصحفيين والإعلاميين على قوائم الاغتيال.. دون أن أتخلى عن شجاعتى.. فما الذى جعلنا اليوم مجموعة مارقة يغتال «قانون مكافحة الإرهاب» أقلامنا ويجعل مهنتنا «تهمة غير مشرفة»؟!

فى بداية عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى شعر بمأزق التطابق مع النظام، وقد اعتدت أن أكون فى صفوف المعارضة.. ومع تواصل الحرب المفتوحة ضد الإرهاب توحدت تماما مع جيش بلادى ومع القيادة السياسية.. فما الذى جعلنا ضمن «كتيبة الأعداء»؟

من الذى قرر بنص المادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب أن يحرج القيادة السياسية، بحكم مسؤولية رئيس الجمهورية عن العملية التشريعية، وفى غياب مجلس الشعب؟

لقد حددت خارطة الطريق فى 3 يوليو تعديل الدستور قبل الانتخابات الرئاسية ليكون حكماً بيننا، لكن الدستور، وهو الوثيقة التى أقرها الشعب، تحول إلى «بردية فرعونية» للذكرى والتاريخ ولم تصدر قوانين لتفعيله، بل على العكس يتم انتهاكه بقانون مكافحة الإرهاب!

وبحسب بيان «المجلس القومى لحقوق الإنسان» فإن «مشروع القانون الذى نُشر يمثل انتهاكات للعديد من أحكام الدستور».. كما أنه لم يتم أخذ رأى المجلس فى مشروع القانون المُقترح بالمخالفة لصريح أحكام الدستور وقانون المجلس اللذين يوجبان أخذ رأيه فى أى قانون يتصل بحقوق الإنسان وفقاً لنص المادة 214 من الدستور(!!)

من وضع القانون يعلم أن المحكمة الدستورية العليا ستحكم بعدم دستوريته، فى وقت نحن فى أمس الحاجة لصدوره والاستفادة من العديد من مواده المحكمة لمواجهة الحرب العاتية التى تأتينا من الكيانات الإرهابية والشبكة العنكبوتية وفضائيات «الإخوان».

نحن نحتاجه لمواجهة «عدو» واضح ومحدد، ولسنا على استعداد لتقديم أرواحنا قربانا لترزية القوانين.. لقد رفضا بطء إجراءات العدالة، وطالبنا بالعدالة الناجزة، بل وطالبت- أنا شخصيا- على صفحات «المصرى اليوم» بمحاكمة الخلايا الإرهابية أمام المحاكم العسكرية.. فإذا بمشروع القانون قنبلة موقوته تنفجر فى وجوهنا.

مشروع قانون مكافحة الإرهاب ينص فى تعريفه للعمل الإرهابى على أن (تعطيل أى من مواد الدستور يعد عملاً إرهابياً)، لكنه سمح للمشرع بتعطيل أحكام الدستور صراحة بعدم أخذ رأى النقابة فى المواد التى تخص الصحافة، وفقًا لنص المادة (77) من الدستور.. فلماذا لا تفتح الدولة حوارا مجتمعيا يضم شيوخ مهنة الصحافة ونقابتها مع الأحزاب السياسية، ليخرج القانون فى صورة مقبولة ودستورية؟

أنا أعترف بوجود أخطاء فى ممارسة المهنة، وهناك دخلاء على الصحافة، بل وصحفا بأكملها مؤجرة من الباطن للجماعات الإرهابية.. والنقابة مقصرة فى مساءلة أو محاسبة أعضائها.. لكننا أمام إدارة وطن وليس حماية مهنة.

حرية الصحافة والإعلام هى أقوى سلاح فى مواجهة المخططات الإرهابية، وهى حرية تسحبها منا المادة 33 من مشروع القانون بينما تمنحها للإعلام الأجنبى الذى تشتريه جماعة الإخوان الإرهابية بملايين الدولارات.

ماذا يفعل الصحفى حين تحجب عنه المعلومة ويضطر لنقلها عن وكالة أجنبية؟؟.. هنا عليه أن يقضى عامين فى السجن لأن السلطات المصرية تغلق مصادر تدفق المعلومات وتتركنا للتضليل والشائعات المدمرة.

إنه مشروع معيب لقانون ملح، فحتى تعريف «الإرهاب» مطاط يجعل القاضى مشرعا- مثلاً- وهو يطبق المادة 6 من قانون مكافحة الإرهاب والتى تنص على أنه: (لا يسأل جنائيًا القائمون على تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال).. فهنا تصبح المحكمة هى المسؤولة عن تصنيف الواقعة ما إذا كانت دفاعا شرعيا أم لا!!

هذا قانون لن يستفيد منه إلا الفاسدون والمستبدون، والإخوان الذين يروجون أن مصر تعانى الفاشية العسكرية وغياب الديمقراطية.

الصحفى ليس صاحب قداسة، لكن المواطن يستحق صحافة حرة بلا قيود، فالمعرفة حق أصيل للشعب فلا تحرموه منها.. ولا تحرجوا القيادة السياسية بافتعال صدام بين سلطة التشريع والدستور.

s.gaara@almasryalyoum.com