منذ بداية شهر رمضان وحتى الآن تتوالى ضربات التنظيمات الإسلامية على مستوى المنطقة العربية في تنسيق وبقوة نوعية جديدة لا تكشف فقط عن تطور نوعي في قدراتهم التنسيقية والتنظيمية بل وزيادة في الموارد. بدأ الشهر الكريم بتفجير مسجد شيعي في الكويت، وإطلاق للنار على السياح في تونس، ثم تفجيرات متعددة في مصر وهجوم على عدد من الكمائن والنقاط والمواقع العسكرية في سيناء.
تستطع الحقائق كالشمس، لكن يصر البعض على إعطاء ظهرهم واتباع أشباح أخري. وآخرون يصرون ألا يروا سوى حقائقهم معتقدين أن التغاضي عن الحقائق الآخري كفيل بتبدده كالملح يذوب في الماء. قد تذوب الحقائق لكن ستبقي مرارة الماء.
يبدو واضحاً أن الإرهاب الذي يضرب في شهر رمضان وفي ثلاث دول سنية، قادم من تنظيمات إسلامية سنية متطرفة. ومن تنوع هجماته في الثلاث دول يضعنا في مواجهة ثلاث حقائق أساسية حول تنظيمات الإسلام السياسي وواقعها المعاصر. في تونس حيث خسر النهضة بالصناديق والديمقراطية تتوالى الهجمات لتبدد أوهام مشروع الإصلاح الديمقراطى العربي والاعتقاد بأن الحرية والديمقراطية كفيل باحتواء خطر الإسلاميين، أو أن تداول السلطة كفيل بتبديد عنف التيارات الإسلامية واستبداله بإسلام وسطى جميل. والحقيقة هي لا. الديمقراطية ليست هي الحل. بل أن ترويج الديمقراطية كحل لم يكن إلا انعكاس لاطروحات مجموعة من البيروقراطيين والراضعين من نهد النيوليبراليةحيث تعتقد الليبرالية في قدرتها على تسليع الأشياء ووضع مشروع الإسلام السياسي في دائرة التفاوض السياسي مما يمكن أن يؤدي إلي تهذيبه وتقليم اظافره بما يناسب السوق الحديث، وهو ما تبدد وهمه في مصر مع محمد مرسي. حيث تحول التفاوض السياسي إلي كذب وخداع مفضوح، ثم جنون عظمة أدي لانتكاسة جديدة، وتحولها لحركة "انتقامية مسلحة" وهو وضع أسوء وأكثر انحطاطا من إرهاب السبعينات والثمانيات.
أما في الكويت فحتى في دول إسلامية ممنوع فيها الخمر والشريعة مصدر للتشريع، ونظام الحكم الملكى بهامش كبير من المشاركة الشعبية، يجد الإرهاب منفذا في التفريغ في الأقليات الشيعية ولإثارة النعرات الطائفية في بلد يتمتع فيه الشيعة بالرعاية الاميرية وفي مسجد وحسينية شيعية ليس مسموحاً حتى بإقامتها في مصر. أن كل هذه التنظيمات والمال الذي ينفق على التجنيد والتدريب والاعاشة والعمليات لا يهبط من السماء، ولا يدخل عليهم زكريا فيجد عندها رزقاً. لنتذكر جيداً ودائماً أن قوات داعش حينما كانت تتقدم لاحتلال المدن العراقية كان الاعلام السعودي والاماراتى يصفق باعتباره ثورة ربيع عربي ضد ديكتاتورية رئيس الوزراء العراقي العميل لإيران. والدعم لهذه الحركات في البداية معلن وموثق بمنتهى الفخر في نشرات الأخبار وليس في أحاديث النميمة السياسية. وسواء كانت العلاقة بين الأنظمة الخليجية وتيارات الإرهاب السني من داعش إلي كل الفصائل المنتشرة في المنطقة علاقة حب انتهت باكتشاف الخليج للخديعة واستغلال الإرهابيين لهم، أو علاقة حب سرية ما زالت مستمرة حتي الآن. فدعم الخليج وعلى رأسها السعودية للأفكار الإسلامية الرجعية والمتطرفة في كل المنطقة العربية امر لا يحتاج لدليل أو برهان. والإنسان لا يستيقظ ذات صباح ليصبح مقاتل في داعش، ولا يشعر بالظلم من جنود الانقلاب فيتحول لخبير متفجرات كما يوهمنا أبناء الاخوان، ولا يلعب الفيديو جيم فيسافر ليجرب نسخة واقعية من اللعبة كما يوهمنا المحللين الغريبين. بل تبنى العقيدة من تفاصيل وأفكار تجد الدعم دائماً من رأس المال الخليجي، تجعل الفرد المسلم معزولاً مغترباً في إحساس دائم بالخطر والتهديد والخوف من الآخر والغضب الموجه ضد الجميع وحتى ضد النفس التي لا تجد خلاصا الا في الانعتاق بالشهادة والتنعم في ملذات أفخاذ الحور العين.
بالنسبة لشاب في السعودية أين يمكن أن يلمس أفخاذ النساء إلا بتفجير نفسه في مسجد شيعي والغطس في افخاذ الحور العين؟ أو الأفضل يمكن أن يسافر لقتل بعض الكفار الذين لا يعرفهم في العراق أو سوريا ثم العودة للظهور في التلفاز مع داود الشريان حيث يحظى بعطف وتصفيق الجميع بصفته ضحية لدعوات العريفي وبعض الشيوخ الذين يمثلون الكتلة الأكثر تطرفاً في تركيبة النظام السعودى.
إيران الشيعية هى الوحش الذي تضخم السعودية والخليج منه، وفي الوقت ذاته ترفض التعامل مع واقع انها دولة ناجحة تخطو الآن في سبيل ترسيخ علاقات ندية مع العالم الغربي وليست تبعية واعتماد على الحماية الغريبة كالخليج. كل الجنون الخليجي تحديداً السعودي منبعه ليس الخوف من الخطر الايرانى بل الخوف من الداخل ومن التغييرات الاجتماعية التي ستزداد تحت ضغط التكنولوجيا وضرورة الانفتاح على السوق العالمي وتضاؤل قيمة البترول وقلة مساهمته في سوق الطاقة عالمياً. من في سدة الحكم الآن في السعودية يتراجعون حتى عن نهج الملك عبد الله الذي كان يحاول خلق قدر من التوازن في مواجهة وحوش شيوخ الدين، وتأهيل السعودية لصدمة الانفتاح إلي العالم بأقل قدر من الخسائر، بل الآن يحاربون من اخرجهم عبد الله ليتعلموا في الخارج ويجلدونهم والآن اصبح لقبهم "أبناء عبد الله الضالين".
تلهو السعودية وأبنائها في الخليج بالمشهد المصري، ويتصنعون مسرحيات ودراما تمثيلية علينا كاختلاق الصراع القطري الامارتى، بينما العائلات الحاكمة في كلا البلدين يتناولون تمر المدينة المنورة في الإفطار الرمضانى عائلة واحدة تتشارك النسل والثروة والمصير. طرف يتصنع دعم الاخوان، وآخر يلاعبنا بشفيق وثالث يستيقظ كل من في مصر ويرفع يده بالدعاء له: يا طويل العمر برحمتك نستغيث، أطعمنا، وأروينا، وأرسل لنا البترول بالكهرباء. وظفنا في مؤسساتك الإعلامية حولنا لكلاب حراستك، أو رسل أفكارك الآسنة في مستنقع الكبت الجنسي والتكلس الاجتماعي، بالقنابل والتفجيرات أدبنا وبالريلات شوقنا، أنت وكيل آلهة الأولمب في أمريكا والغرب، وقد صعدوا لسدرة المنتهى وتركوك لتدير المنطقة فكن رحيما بنا يا طويل العمر، يا طيب القلب وينك، يا شوج عيني لعينك.