من كام يوم كنت مسافر بالعربية من الزقازيق للقاهرة أنا وواحد صاحبي، وكان معايا زلطة بيضا تشبه الرخام، شكلها غريب شوية، كنت واخدها تذكار من أصحابي لما كنت مسافر برة، وللأسف الشديد نسيتها في باب العربية.
المهم دخلنا على كمين مدينة «السلام»، الظابط وقفنا وشاف الرخص، وسألنا انتوا منين؟ ورايحين فين؟ وبتشتغلوا إيه؟
قلت له أنا دكتور بشري وطلعت كارنيه نقابة الأطباء، وصاحبي كان مهندس طلع بطاقته، وكل الأوراق تمام.
فجأة سألنا الظابط: طب معاكوا حاجة كده (يقصد مخدرات مثلا أو أي شيء في دماغه)
رديت بضحكة مجاملة: لا يا باشا مافيش معانا حاجة.
الظابط: طيب اركن هنفتش!
فتشوا العربية تفتيش دقيق، وفتشوني أنا وصاحبي تفتيش ذاتي أكثر دقة، لدرجة أنهم قلعوني الجزمة وحسسوا على الشراب، مع إن المفروض إن أنا وصاحبي طبيب ومهندس، وشكلنا مش مسجلين خطر ولا شكلنا مشبوه.
بعد التفتيش الدقيق الظابط لقي معايا فلوس، فسألني: فلوس إيه دي؟ وجايبها منين؟ وهتعمل بيها إيه؟!
طبعا قعدت أضحك من اللي بيحصل، وقلت أجاوب بحسن نية على أساس إنهم بيشوفوا شغلهم، وكبرت دماغي، كان فات حوالي ربع ساعة في هذا الحوار، وتصورت إن الموضوع انتهى، لكن كل اللي فات كوم، واللي جاي كوم تاني خالص.
فقد عثر الظابط على الزلطة في باب العربية، فأمسكها بدهشة وأخذ يقلبها بين يديه، * وسألني: إيه دي؟
- دي زلطة يا باشا!
* أيوه يعني إيه دي؟ وبتعمل إيه معاك في العربية؟
- زلطة يا باشا كنت واخدها (سوفينير) من ناس صحابي لما كنت مسافر بره.
* يعني إيه زلطة سوفينير؟، وتاخد منهم زلطة ليه؟
- يعني تذكار حضرتك عشان لما أقابلهم تاني.
* أيوه يعني الزلطة هتعمل إيه لما تتقابلوا تاني؟
- عادي يا باشا لما أشوفها أفتكرهم، ولما نتكلم يسألوني أخبار الزلطة إيه وكده؟!
لم يقتنع الظابط بكلامي، وبدأ يعمل فحص للزلطة.. يشمها، ويفركها بصوابعه، وقال لي: استنى هنا، وسابني ومشي.
فضلنا واقفين أنا وصاحبي لحد ما فتش عربية تانية، وعدت ربع ساعة تقريبا، فأنا ما استحملتش، روحت قلت له: يا باشا مش خلاص حضرتك فتشتوا ومالقتوش حاجة؟، ممكن نمشي!
* الظابط: أيوه بس إيه ديه بقى؟!
- يا باشا والله العظيم زلطة!
راح ماشي وسايبني تاني، بس المرة دي مشي ناحية شجرة تحتها ترابيزة على جنب الطريق قاعد عليها خمس أشخاص كبار في السن كلهم رتب مختلفة في الداخلية لواء وعميد وعقيد وكده، ووقف يتكلم معاهم ويوريهم الزلطة، وبدأ كل واحد منهم يمسك الزلطة يبص فيها ويقلبها ويفحصها، ويديها للرتبة اللي جنبه يشوفها هوه كمان ويفحصها!
وأنا بتفرج، ودماغي ضربت علامات استفهام.. إيه اللي بيحصل، وهل ممكن أروح في داهية بسبب زلطة.
بعد فترة من الفحص والبحث، نادوا عليا.
اللواء: إيه ديه يابني؟
- دي زلطة يا باشا.
* أيوه بتعمل بيها إيه؟
- دي تذكار يا فندم من ناس صحابي.
* انت شغال إيه؟
- دكتور بشري.
* وجيبتها منين؟ وإزاي؟ وإيه دي بالظبط؟
- ما اعرفش غير إنها زلطة.
* معقول انت دكتور ومش عارف إيه دي؟
- كنا جايبينها من شط البحر يا باشا، ودي زلطة عادية والله.
* بذمتك الزلط على البحر بيبقى شكله كده!
- يا باشا والله العظيم زلطة (وأنا أضحك) أنا مش مسؤول عن شكل الزلط ياباشا.
* طب دي مش شبة؟
- إيه «شبة» دي يا باشا أنا معرفهاش والله!
اللواء: طب روح هناك.
روحت وقفت جنب العربية وأنا أضرب كف بكف.
نادة اللواء على صاحبي: تعالى انت.
اللواء: إيه دي؟
صاحبي: دي زلطة يا باشا، أخدها ذكرى من أصحابه
اللواء: انت بتشتغل ايه؟
صاحبي: أنا مهندس سعادتك.
اللواء: طب مهندس يبقي المفروض عارف إيه دي بقى؟
صاحبي: والله العظيم زلطة يا باشا.
اللواء: طيب أنا لو ولعت فيها مش هيحصل حاجة!
(ضغط الولاعة وأشعل النار، وهو يهدده أنه سيضعها أسفل الزلطة).
صاحبي: ولع يا باشا مش هيحصل حاجة.
اللواء أطفأ ولاعته وهو يقول: يعني مش تفرقع في وشنا (بيتكلم جد).
صاحبي: لا يا باشا مش هتفرقع، وأنا جنبك أهو، يعني لو فرقعت هموت معاكو.
اللواء: طب إنت إيه رأيك في السيسي؟!
صاحبي: زي الفل يا باشا ربنا يوفقه.
اللواء للظابط: خلاص سيبهم يمشوا.
استغرق هذا الموضوع ساعة كاملة منذ وقفنا في الكمين، وبالفعل سابونا نمشي، وأنا مش عارف كنت بضحك، وللا كنت عامل إزاي، لكن اللي مجنني إني وقفت ساعة تحت الاشتباه في كمين بسبب زلطة.
* هذه القصة سجلها الدكتور مصطفى عبدالرحمن، وأظنها لا تحتاج إلى تعليق، فهي نموذج للفجوة الهائلة بين تعامل أبطال الداخلية مع الإرهاب وتعاملهم مع المواطنين، والله يرحمه بقى المستشار هشام بركات، الإرهابي اللئيم مكانش معاه زلطة.
جمال الجمل