يوم الجمعة القادم هو يوم «الجمعة اليتيمة».. ما هى الجمعة اليتيمة؟ هى آخر يوم جمعة فى شهر رمضان.. ويوم الجمعة أساساً هو خير أيام الأسبوع، له سورة منفردة فى القرآن الذى لم يذكر سوى يومى الجمعة والسبت.. وميزة هذه الجمعة أيضاً أنها فى شهر رمضان، خير أشهر العام، فيه نزل القرآن الكريم.. ثم آخر جمعة فى هذا الشهر تقع فى العشر الأواخر وهى خير أيام الشهر الفضيل.. «وليالٍ عشر».. من هنا جاء اسم «الجمعة اليتيمة».. لماذا؟ لأنه لا توجد جمعة فى العام كله يجتمع فيها كل هذا الخير.. لذلك كانت تجتمع حشود هائلة لأداء الصلاة فى المسجد العتيق، مسجد عمرو بن العاص وهو من أوائل المساجد فى الإسلام بعد مسجد المدينة ومسجد الكوفة ومسجد البصرة... لذلك عادة كانت تمتلئ ساحة المسجد وحرمه بل الميدان الذى يطل عليه لأداء صلاة الجمعة اليتيمة فيه.
■■■
وفى العصر الفاطمى ظهرت نبوءة بأن الخليفة حلم بأن يوم جمعة يتيمة ما سيرتفع المسجد بمن فيه ومن حوله إلى السماء ليدخلوا الجنة بغير حساب.
من هنا جاءت بداية هذا الحشد الرهيب الذى ازداد عدداً.. هذا منذ أيام العصر الفاطمى، حيث كان الخليفة يصلى أول جمعة فى رمضان فى مسجده الخاص ثم الجمعة الثانية فى مسجد الحاكم والجمعة الثالثة فى الأزهر الشريف والجمعة الأخيرة اليتيمة فى مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط، حيث يتم فرش المسجد بفرش خاص من الحرير الديبقى يتم صنعه فى قرية بجوار دمياط وتعلق على المحراب ستارتان من الحرير الأحمر عليهما عدد من قصار السور.
ولما جاءت الأسرة العلوية عام 1805 وحكم البلاد محمد على الكبير حافظ على تقليد صلاة يوم الجمعة اليتيمة فى مسجد عمرو بن العاص ومعه كل أولاده فى المراسم الملكية الخاصة بهذا العصر.. وتطورت الأمور فلما جاء الخديو إسماعيل بدأ تقليداً جديداً.. أصبح يذهب إلى المسجد من سراى عابدين إلى الفسطاط فى عربة حنطور مذهبة مغطاة بالزجاج المذهب أيضاً ويحيط الموكب عدد من الأحصنة المغطاة بفرش مذهب أيضاً.
واستمر هذا الموكب بالذات لم ينقطع حتى يوم 26 يوليو 1952 عند خلع الملك فاروق.. ولكن مع تغيير أيضاً.. حيث كان يركب بجوار الملك فؤاد ثم فاروق، رئيس الوزراء، بنفس الحنطور المذهب - الموجود حتى الآن فى متحف سراى عابدين - وحول الحنطور الموتوسيكلات ذات الصوت العالى مع السير ببطء، لتزدحم الأرصفة بالناس طوال الطريق.
■■■
وبعد.. مازال الناس ينتظرون أن يطير بهم المسجد إلى السماء حيث الجنة كل عام.. وإن قيل إن هذا لن يتحقق إلا إذا توافق يوم الجمعة اليتيمة مع ليلة القدر، فالاثنان فى العشر الأواخر.. ومازال الناس ينتظرون.