يوم 6 أغسطس يوم فاصل فى ما سوف يحدث فى مصر، هو ليس فقط تاريخ الافتتاح الرسمى للممر المائى الجديد فى قناة السويس، إنما هو تاريخ اختبار دولة فى جديتها تجاه مشروع قومى كبير بهذا الحجم.
مساء 6 أغسطس سيبدأ العالم فى اختبار الإضافة المهمة التى اكتسبتها مصر من خلال حفر قناة جديدة، يبدأ الاختبار العلنى لقدرة قناة السويس الجديدة فى اختصار وقت العالم حيث اللحظة لها ثمن باهظ، فهل تثبت القناة الجديدة عند التجربة أنها تقدم للعالم كله سلعا أرخص فى وقت أقل، بعد أن وفرنا لكل سفينة حوالى 6 ساعات من الانتظار!
مازال العالم حتى هذه اللحظة يترقب التجربة بشغف، لا يمكن لأحد أن يكتب الآن قصة صحفية أو تقريرا يؤكد أو ينفى قدرات القناة الجديدة، لكن المؤكد أن قصتها سوف تكون قصة أولى فى صفحات أولى فى صحف العالم حتما.
حملة الدعاية المضادة ضد المشروع التى بدأت من اليوم الأول للإعلان عنها، لم تخفت، بالعكس زادت وتضاعفت كلما اقترب موعد الافتتاح، بداية من التشكيك فى جدوى المشروع إلى الطعن فى جودة المشروع.
الثقة فى منفذ المشروع، الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وحدها حتى الآن هى الرد العملى على الجدوى والجودة، وبسؤال متخصصين ذوى خلفية محايدة عن كل الأطراف يؤكدون أن المشروع فى ملامحه النهائية يمكن أن يحدث طفرة فى المنطقة كاملة، بشرط أن نبدأ المرحلة الأهم فى تقديم خدمات حقيقية للملاحة العالمية هناك وإقامة مناطق صناعية توفر منتجات قابلة للتصدير على بعد خمسة دقائق من موانئ القناة الجديدة، مما يعنى أن منتج ينتهى تصنيعه الساعة العاشرة صباحا يمكن أن يكون مرفوعا على سفينة حاويات عند ظهر اليوم نفسه متجها للتصدير إلى دولة أوروبية فى وقت لا يزيد عن خمسة أيام فقط أو أقل!
هذه السرعة التى لن تتوفر لأى بلد صناعى آخر، يمكنها أن تجذب استثمارات من كل العالم، صنع فى مصر وأبحر إلى أى دولة فى ساعات قليلة، ميزة لن تتوفر للمنتج الصينى أو الكورى أو الهندى أو الماليزى.
باختصار، بدون مبالغة، القناة الجديدة ليست مجرد قناة ناقلة، إنما منطقة كاملة يمكن أن تمتد عرضيا فى جغرافيا مصر فيصبح لكل مدينة منفذ على القناة، الدور هنا على وزراء الصناعة والأعمال والمحافظين لكى يعملوا على تنمية الصناعات فى هذه القطاعات وتمريرها للتصدير عبر قناة السويس والاستفادة من عنصر الوقت.
نظريا فى يدنا كنز يجب أن نكون عمليا لدينا قدرة الاستفادة منه إلى أقصى حد، بأفكار متوهجة وتنفيذ دقيق متقن وسرعة تساوى ماحدث فى إنجاز حفر القناة ذاتها.
هل نفعل؟ هل كل مسؤول لديه استعداد لكى يعمل 24 ساعة ـ اليوم، لكى نستفيد من هذا المشروع الذى يعتبر بداية لربط أفريقيا كلها بكل ماتحمل من كنوز وخيرات وثروات بالعالم من خلالنا.
نأتى للافتتاح، الذى أرى اتجاها قويا لعمل مهرجان كبير تتولاه شركات عالمية لتنفيذ حفل الافتتاح، هنا كان لى طلب، أضعه أمام رئيس جمهورية مصر العربية، هو أن نقتصد فى مصروفات الافتتاح حتى لو كان الجزء الأكبر منها تبرعات رجال أعمال، وإقامة حفل افتتاح يعكس رغبتنا أمام العالم فى العمل الجاد، وقدرتنا على أن نعلن وضعنا الاقتصادى الصعب، خاصة أن لدينا عجزا فى الموازنة وعجزا فى العملات الصعبة، وأرى أن الأهم فى الافتتاح ليس الاحتفال إنما تسويق المشروع للعالم بشكل واضح وبسيط، وتسويق المشروع لكل مواطن مصرى بحيث يرى: 1 ـ حجم الاستفادة التى يمكن أن تعود عليه شخصيا 2 ـ يختار الدور الذى يمكن أن يقوم به فى المشروع مستقبلا 3 ـ تسويق فكرة أننا كلنا شركاء فى هذا الكيان الجديد يمكن بهذه الشراكة أن نبدأ فى بناء جديد للوطن 4 ـ دعوة واضحة لكل مواطن اتفق أو اختلف مع فكرة المشروع لكى نبدأ ميلاد آخر لوجودنا على هذه الأرض.
الكرنفالات الكبيرة والصواريخ الملونة والغناء تحت قدمى القناة ليس الغاية التى يرغب فيها العالم ولا المواطن المصرى، كلنا نرغب فى معرفة شكل وقيمة المصلحة التى ستعود على الجميع، والأدوار التى يمكن أن نقوم بها.
أما إذا كان ولابد أن نحتفل أيضا، فكنت أتمنى أن نخلق احتفالا فى كل مكان فى مصر فى نفس الوقت واللحظة لكى يرانا العالم نبدأ صفحتنا الجديدة، وأن القناة هى مشروع كل مصرى مهما كانت مدينته أو موقعه، فنحتفل فى أبو سمبل وفى الأهرامات وفى مكتبة الإسكندرية وفى النيل وفى سيوة وفى مطروح وفى بورسعيد، احتفالات مهيبة منظمة بدقة يتبرع بها كل مواطن بثمن تذكرة دخوله إليها، حتى ـ أيضا ـ نعفى من حرج تبرعات رجال الأعمال الذين أصبح إحساسنا بتبرعاتهم ليس صافى النوايا تماما.
أتمنى من كل مواطن مصرى أن يفرح لأنه امتلك قوة جديدة حقيقية يمكن أن يواجه بها العالم. وأن نكتفى من الفرجة ونبحث لنا عن دور كبير فى القصة الكبيرة.