من العبارات التقليدية، التي تتردد دائمًا على الألسنة أن إيطاليا، هي أرض العشاق والبيوت الحافلة بالأطفال، الذين يترعرعون داخل عائلات كبيرة الحجم تشمل الأجداد والأحفاد وأبناء العمومة، غير أن البيانات الواقعية تشير إلى أن هذه العبارة لا تمت للحقيقة بصلة.
فمعدل المواليد في إيطاليا تراجع إلى حد كبير ليقترب من أدنى حد له بين دول الاتحاد الأوروبي، كما أن الأمهات الإيطاليات اللاتي يلدن للمرة الأولى هن الأكبر سنًا في أوروبا، الأمر الذي دفع السلطات للشعور بالقلق.
وهذا القلق دفع وزارة الصحة الإيطالية إلى الدعوة لـ«يوم الخصوبة»، لتوعية الأزواج بالمشكلات المرتبطة بالحمل في سن متأخر، ومن المخطط الاحتفال بأول يوم من نوعه للخصوبة، في مايو 2016، ليصبح تقليدًا سنويًا على مستوى البلاد.
ودعت وزيرة الصحة، بياتريس لورينزين، إلى تغيير التفكير إزاء الاتجاه صوب تأخير الإنجاب، غير أنها تقول أيضًا إنه يجب منح النساء مزيدًا من الدعم
عندما ينجبن.
وتقول لورينزين، التي أصبحت مؤخرًا أمًا لأول مرة في سن 43 عامًا، حيث أنجبت توأمًا إنه «خلال الأعوام العشرة الماضية انتشرت فكرة تأجيل الإنجاب
لدرجة أنه يمكن للمرء أن ينجب أطفالاً في وقت متأخر من العمر، غير أن هذه ليست فكرة سديدة لأن سن الخصوبة ليس أبديًا».
وتؤكد الإحصائيات وجود اتجاه للإنجاب في وقت متأخر من العمر، وهو اتجاه من شأنه خفض معدل إجمالي المواليد في البلاد.
وتشير الإحصائيات إلى أن النساء في إيطاليا ينجبن في مرحلة عمرية متأخرة، وبالتالي يلدن عددا أقل من الأطفال بنسبة 1.4 طفل لكل امرأة، مما يمثل أقل معدل للإنجاب في الاتحاد الأوروبي.
وتفسر أستاذة علم السكان بجامعة بادوا الإيطالية، جيانبيرو دالا زوانا، هذا الاتجاه، حيث تقول إن «هناك عدة أسباب ثقافية واقتصادية، ففي إيطاليا يريد الآباء توفير كل شيء للأبناء مثل وظيفة آمنة وامتلاك سيارة ومنزل، وإذا لم تتوفر هذه الأشياء فعليك الانتظار قبل إنجاب طفل».
وتضيف أنه أثناء الأزمات الاقتصادية بوجه عام يتجه الناس إلى تأجيل الإنجاب.
وعند مناقشة هذا الموضوع، من الطريف ملاحظة أن بعض الإيطاليين ينظرون بعين الحسد إلى الأوضاع المماثلة في ألمانيا، حيث يثير انخفاض معدل المواليد القلق أيضا، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تقديم مزيد من الدعم المالي للآباء والأطفال ولإجراءات الرعاية اليومية لهم.
وفي هذا الصدد، تقول بريشيليا جالوني التي أصبحت أمًا وهي في التاسعة والثلاثين من عمرها إن «الدولة (الإيطالية) لا تكاد تقدم يد العون للأسر، فإما أن تحصل الأسرة على مبلغ ضئيل من المال، أو أن تضطر إلى البحث عن مساعدة في أماكن أخرى».
وفصلت جالوني من عملها بعد أن أنجبت ابنًا، وتؤكد أن النساء في إيطاليا يخسرن وظائفهن في الغالب عندما ينجبن.
وتنفق إيطاليا نحو 1.4% فقط من إجمالي الناتج المحلي لدعم الأسر، وهو رقم ينخفض إلى حد كبير عن المعدل السائد في دول الاتحاد الأوروبي.
ففي فرنسا، حيث تحتل النساء الصدارة في ترتيب الخصوبة بدول الاتحاد، يصل الدعم الحكومي الأسري إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي.
وبعد كثير من الجدل، وافقت الحكومة في روما مؤخرًا على إقرار «علاوة للطفل» تبلغ 80 يورو (89 دولارًا) شهريًا للأسر التي يقل دخلها السنوي عن
24 ألف يورو، غير أن هذا الدعم يتوقف بعد أول 3 أعوام بعد الولادة.
وفي تصريحات لصحيفة «كوريري ديلا سيرا»، قالت وزيرة الصحة الإيطالية إن بلادها يمكن أن تفعل أكثر من ذلك لمساعدة الأمهات العاملات.
وأضافت: «إحداث تغيير في ثقافتنا سيكون أمرًا جيدًا، فنحن نرى أن المهد في البيوت أصبح فارغًا، وليس من الصواب أن تعود النساء بمجرد أن يلدن إلى
العمل وهن يشعرن بأحاسيس سيئة داخلية، مع عدم وجود نظام مرن لساعات العمل».