الإعلام وإرهاب سيناء

عمرو الشوبكي الإثنين 06-07-2015 21:41

كشفت عملية سيناء الإرهابية عن حجم الضعف والارتباك فى أداء الإعلام المصرى، وأوضحت أيضا حجم الانحياز الفج الذى أصاب قنوات منحازة أصلا، مثل الجزيرة، حتى أصبحت صوتا للتحريض والشماتة فى كل مصيبة تصيب الشعب المصرى، كما أبرزت حضورا محايدا ومهنيا لم يخلُ من سلبيات لقناة سكاى نيوز عربية وتلتها قناة العربية، فى تغطية ما جرى فى سيناء، وغاب بالكامل أى أفق لظهور قناة إخبارية مصرية يمكنها أن تنافس على المستويين الوطنى أو العربى.

مثالب تغطية الإعلام المصرى عقب حادثة سيناء الإرهابية كثيرة وجسيمة، لكن اتهامه بالتآمر مرفوض والتضييق عليه ومطالبته بألا ينطق ولا يعلق وأن يعتمد على مصدر رسمى واحد، خاصة بعد صدور قانون حبس الصحفيين (الذى رفضته نقابة الصحفيين بشدة)، سيعمق من مشاكل الصحافة المصرية، وسيفتح الباب أمام الإعلام الأجنبى للتقدم وتحقيق نجاحات مهنية، معتمدا على مصادر متعددة، فى حين سيفرض على الإعلام المصرى الالتزام فقط بالبيانات الرسمية بما يعنى القضاء على ما تبقى من فرص لصناعة إعلام مصرى قادر على استعادة عافيته.

الإعلام المصرى ارتبك فى كل شىء، على مستوى الخبر والتغطية والتحليل، لأنه ببساطة ليس لديه مراسل حربى واحد معتمد فى سيناء، كما سبق أن عرفنا فى مصر من قبل وكما هو معروف فى كل البلاد المتقدمة، فقد كان لهذا المراسل دور كبير ومؤثر أثناء حربى الاستنزاف و73، حيث نجح الصحفى فى ذلك الوقت فى أن يحل عقدتين: الأولى مهنيته وتكوينه الصحفى، والثانية احترام القيود المفروضة على الأخبار التى ينقلها والمتعلقة بجيش فى حالة حرب.

وعرفت مصر مراسلى حرب عظاما كانوا مع الجيش فى أثناء حروبه وليس فقط الذين ظهروا فى مرحلة السلم، وهو ما خلق نوعية محترفة ومدربة وذات ثقافة حربية غابت تماما فى السنوات الأخيرة، واتضحت مثالب هذا الغياب على المشهد الإعلامى المصرى بعد حادثة سيناء الإرهابية.

وبدلا من معالجة الخلل بأن يعاد تكوين المراسل الحربى مرة أخرى، اكتفى النظام السياسى بالشؤون المعنوية كمصدر وحيد للأخبار المتعلقة بالجيش، وطالب الصحفيين بالاعتماد على البيانات الرسمية التى يقولها المتحدث العسكرى، ونسى أو تناسى أن الحل فى وجود مراسلين معتمدين يمثلون عينا وطنية أخرى فى قراءة ما يجرى، فيقومون بعملهم المهنى ويراعون دقة الأخبار وحساسيتها وفق قواعد معروفة ومستقرة، أما المطالبة بأن يتحول الإعلام المصرى لمجرد ناقل لمصدر واحد من الأخبار فهو أمر يقدم على طبق من فضة حرية أكبر للإعلام الدولى للوصول لمصادر إخبارية متنوعة وصياغتها وفق أجندتها وتحيزاتها.

صناعة الإعلام قائمة على الخبر وكل من يصل إليه أسرع من غيره يحقق السبق الصحفى، صحيح هناك أخبار مغلوطة وهناك أخبار أخرى صحيحة يتم تلوينها وتحريفها تبعا لخط الصحيفة، وإذا قيدنا الإعلام المصرى بحجج مختلفة نكون قد فرضنا عليه منذ اللحظة الأولى أن يخسر معركته قبل أن تبدأ.

يقيناً الصور التى قدمتها الشؤون المعنوية لما جرى فى سيناء كانت مهنية وإنسانية ومؤثرة وذات رسالة وطنية بامتياز، ومثلت ربما طوق نجاة للفشل الإعلامى الحكومى والخاص فى تغطية ما جرى فى سيناء، ولكنها كأى متابعة إخبارية مصورة خرجت بعد 24 ساعة، لأنه ليس مهمتها السبق الصحفى (ودقته أيضا)، الذى هو جزء من صناعة الإعلام فى العالم كله.

ليس مطلوبا أن تكون الشؤون المعنوية هى المنقذ بسبب عدم رغبتنا فى أن ننظر لعمق مشاكل الإعلام المصرى التى كشفتها جريمة سيناء ونكتفى باللقطة والمسكن.

amr.elshobaki@gmail.com