حماية القضاة على الطريقة الإيطالية

مصطفى عبد الله السبت 04-07-2015 21:52

مر الأسبوع الماضى ثقيلا وحزينا على الغالبية العظمى من أبناء الشعب المصرى بعد وقوع أحداث مؤسفة، خاصة استشهاد المستشار هشام بركات، رحمه الله، مما ذكرنى عندما كنت مديرا لمكتب الأهرام في روما بالتجربة الإيطالية علنا نستفيد منها ونطبقها في أسرع وقت، فعندما تم اغتيال قاضيين من أشهر وأعظم قضاة مجموعة مكافحة جرائم «المافيا»، الأول جوفانى فالكونى، الذي قُتل في مايو 1992 مع زوجته وحراسه على الطريق من مطار مدينة باليرمو بجزيرة صقلية عن طريق سيارة مفخخة حال عودته من روما، وبعد شهرين من الحادث الأليم لقى زميله باولو بورسالينو مصرعه مع خمسة من حراسه بنفس الطريقة في أحد شوارع باليرمو، خلال ذهابه للغداء في منزل والدته، وقد كرمتهم الدولة بإقامة نصب تذكارى لفالكونى في طريق المطار، بينما أطلق اسم زميله على مطار باليرمو، والأهم أن السلطات الإيطالية بعد أن تلقى نحو 15 قاضيا تهديدات بالاغتيال قررت نقل جميع مبانى المحاكم ومكاتب وسكن القضاة ورجال النيابة الذين أسندت إليهم التحقيقات في جرائم المافيا إلى خنادق محصنة تحت الأرض، مضادة للصواريخ والقنابل، مع حراسة مشددة من سيارات الشرطة المصفحة ترافقهم في كل خروج، مع تغيير مسار مواكبهم بصورة يومية، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى مطالبة الجيش بالتدخل لتوفير محال إقامة لهم في معسكراته لحمايتهم وأسرهم من أي تهديدات أو اغتيالات للتضليل أو التأثير على العدالة وهيبة الدولة.

وقد حاولت المافيا تجنيد العديد من السياسيين والفنانين ولاعبى الكرة، وعلى رأسهم مارادونا في أوج شهرته عندما انتقل من برشلونة إلى نابولى الإيطالى، وتم استدعاؤه أكثر من مرة من قبل النيابة بعد أن نشر العديد من الصحف صور مارادونا مع زعماء المافيا في سهراتهم الخاصة واتهمته بجلب المخدرات، خاصة الكوكايين الذي أدمنه وشوه سمعته وإنجازاته، لأنه خفيف الحمل، واستغلال اسمه وشهرته الكبيرة للمرور من جمارك المطارات، وعندما تم غلق التحقيقات لعدم كفاية الأدلة تم فتح ملفاته بالكامل وإحالته إلى المحاكمة بتهمة التهرب من الضرائب، ولم يجد مارادونا حلا سوى العودة إلى بلاده.

وقد لا يعرف الكثيرون نشاط «المافيا» الإيطالية، التي يعود تأسيسها إلى بداية القرن التاسع عشر في جزيرة صقلية بجنوب إيطاليا، وفى منتصف القرن تزايد نشاطها من تجارة المخدرات والسلاح والنفايات المحرمة والتزوير وغسل الأموال والقمار والدعارة والابتزاز والهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى التلاعب في المراهنات الكروية التي تفجرت في الدورى الإيطالى أكثر من مرة، وقد بلغت أرباح المنظمة الإجرامية السنوية نحو 100 مليار دولار، وهو ما يعادل نسبة 3.5% من إجمالى الناتج القومى الإيطالى، ولها فروع في أغلب دول العالم.

mostafino5@yahoo.com