الإرهاب بحكم تعريفه التقليدى هو استخدام العنف غير المشروع من أجل نشر الخوف والترويع، بغية تحقيق أهداف سياسية. هذا التعريف يجعلنا نمعن النظر أكثر وأعمق فيما رمت إليه الأعمال الإرهابية الكبيرة التى شهدتها بلادنا خلال الأيام الأخيرة، فيظهر لنا أنها تسعى إلى تحقيق أهداف ثلاثة كبرى: الأول هو إفقاد المصريين الثقة فى قدرة نظام حكمهم بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى على تحقيق الأمن والاستقرار اللذين وعدهم بهما، ومن ثم تأليب قطاعات منهم ضده، خاصة من هؤلاء الذين كانوا يتوقعون منه تشديد قبضة الدولة وزيادة حزمها. والهدف الثانى هو إرباك الدولة بكل أجهزتها وتعطيل مشروعاتها وخطواتها الكبرى فى مجال الاقتصاد والتنمية، وعلى رأسها مشروع قناة السويس الجديدة، مما يعقد الأوضاع الاقتصادية المرتبكة داخلياً ويردع المستثمرين الخارجيين عن العمل فى مصر، مما يزيد من هذا التعقيد والارتباك.
وأما الهدف الثالث فهو إعادة رسم العلاقات الخارجية لمصر بعد النجاحات الكبيرة التى حققتها منذ انتخاب الرئيس السيسى بما يفسدها ويعيد الدول الرئيسية فى العالم إلى مرحلة التشكك والتراجع عن المضى فى توثيق علاقاتها مع مصر. واللعبة هنا مزدوجة، فهم يراهنون أولاً على أن عمليات الإرهاب الكبرى سوف تهز من ثقة تلك الدول فى قدرة الحكم المصرى على تحقيق الاستقرار فى بلاده ومن ثَم فى الإقليم المجاور، وهى القدرة التى تراهن عليها من أجل حماية مصالحها المشتركة مع مصر بداخلها وفى الإقليم. ويرمى الجزء الثانى من هذا الهدف إلى أن يدفع هذا التصعيد الخطير فى عمليات العنف والإرهاب الحكومة المصرية إلى الرد بإجراءات عنيفة والتورط فى ممارسات يتم استغلالها فوراً من مجموعات وحلفاء الإخوان فى الخارج للضغط على حكومات دول العالم، خاصة الغربية، لكى تحاصر مصر دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً.
تلك الأهداف الثلاثة هى جوهر ما يرمى إليه مخططو ومنفذو عمليات الإرهاب الكبرى التى جرت فى مصر مؤخراً، ولذلك فسوف يواصلون هذه العمليات بكل ما لديهم من إمكانيات خلال الفترة الحالية والقادمة. والمهم هنا، بالإضافة للجهود الأمنية الضرورية للحيلولة دون استمرار هذه العمليات، ألا نسقط فى فخ مساعدة قوى الإرهاب على تحقيق أهدافها الثلاثة. فمزيد من الجهود والإجراءات ذات الطابع الاجتماعى والاقتصادى العاجلة والمباشرة من أجل تأكيد ثقة المصريين فى إصرار نظامهم السياسى على تحقيق مطالبهم وحقوقهم الرئيسية يبدو أمراً ضرورياً وشديد الحيوية لتدمير الهدف الأول. كذلك فإن مضى الدولة بثقة وثبات فى إنجاز واستكمال مشروعاتها الكبرى، خاصة قناة السويس الجديدة، وتسهيل كل الصعاب التى تقابل المستثمرين العرب والأجانب، يعد الطريق الوحيد لإفساد الهدف الثانى للعمليات الإرهابية.
وأما ضرب الهدف الثالث للعمليات الإرهابية، فهناك أولاً ضرورة تحديث سبل المواجهة الأمنية للإرهاب، خاصة المعلومات المسبقة، وفصل مجموعاته عن الحاضنات البشرية التى تختبئ بداخلها، بل تعبئتها بطرق عديدة ضده، بما يتيح توجيه ضربات حاسمة ومركزة له تؤكد ثقة الداخل والخارج فى قدرة الدولة المصرية. ويستكمل هذا، من ناحية أخرى، بالتدقيق فى القواعد القانونية التى تستند إليها إجراءات محاربة الإرهاب، والأخذ بما يحتويه القانون الدولى وقوانين الدول المتقدمة لمواجهته خلال السنوات الأخيرة، مع الحرص الشديد على عدم التورط فى أى ممارسات يمكن للإخوان وحلفائهم استغلالها فى الخارج للضغط على حكومات دول العالم.
بل أكثر من هذا، يمكن للدولة قلب الصورة التى يريد هؤلاء إظهارها بها فى الخارج والداخل، مع استمرارها فى محاربة الإرهاب بكل قوة وحسم، بأن تستكمل النيابة العامة ما بدأته مع الشهيد هشام بركات فى الإفراج عن المحبوسين احتياطياً من الشباب الذين لم تتلوث أيديهم بدماء ولم يمارسوا إرهاباً، وأن يصدر الرئيس عفواً ثانياً عن بعض من المحكوم عليهم من نفس هذه الفئة، كما ألمح قبل عشرة أيام. فهكذا تربك استراتيجية «عدوك» ولا تقع فى الفخ الذى يريد أن تقع فيه.