المجددون فى الإسلام..عبدالرحمن الكواكبى.. مقاومة الاستبداد بالاستنارة والإصلاح

كتب: ماهر حسن السبت 04-07-2015 11:30

قال: «لقد تمحص عندى أن أصل الداء هو الاستبداد السياسى، ودواؤه هو الشورى الدستورية» وقال أيضًا: «من أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل»، وقال أيضا: «إن الهرب من الموت موت، وطلب الموت حياة، والخوف من التعب تعب، والإقدام على التعب راحة، والحرية هى شجرة الخلد، وسقياها قطرات الدم المسفوح والإسارة (العبودية) هى شجرة الزقوم، وسقياها أنهر من الدم الأبيض، أى الدموع» وقال: «إن المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه، أعداء العدل وأنصار الجور والاستبداد أصل لكل فساد».

هذه بعض من مأثورات المفكر الحلبى عبدالرحمن الكواكبى، وكان الدكتور أسعد الحمرانى قد أعاد نشر كتاب الكواكبى عام ٢٠٠٦ بمناسبة الذكرى المئوية لرحيله، وبعد عام أصدر الدكتور محمد عمارة كتابا بعنوان «الكواكبى.. شهيد الحرية ومجدد الإسلام»، تضمن سيرة الكواكبى وتحليل رؤاه وأفكاره، وما جاء فيه أن وحدة الأوطان لا تشترط وحدة الدين، وأن الوفاق الجنسى بين الأقباط والمسلمين موجود باعتبار الجميع من العرب، وهذا أقوى من الوفاق المذهبى بينهم وبين المستعمرين الأوروبيين.

وقد حذر من الاستبداد، الذى يؤدى إليه الجمع بين التخصصات المختلفة فى شخص واحد، حتى لا تتكرر تجربة الكهانة الكنسية التى احتكرت الدين والدنيا جميعا فى «الإكليروس» وكثيرا ما تحدث الكواكبى عن المنهج الإسلامى فى الإصلاح، وعن نظام الحكم الذى يسميه «الإسلامية»، وبوصفه مصلحاً إسلامياً يلتمس أصول الإصلاح وفلسفاته وقوانينه من «الإسلامية» ومن التجارب التاريخية لتطبيقات «الإسلامية» فى الاجتماع الإسلامى.

لقد كان الكواكبى قومياً عربيا، لكنه لا يعزل عروبته وقوميته عن دائرة الجامعة الإسلامية، وكان مصلحاً إسلامياً يعمل لتجديد الإسلام كى تتجدد به دنيا المسلمين، لكنه يؤكد على تميز الأمة العربية فى إطار المحيط الإسلامى الكبير، وكان داعية للتمييز بين الدين والدولة، دونما فصل كما هو الحال فى العلمانية الأوروبية، ودونما وحدة تدخل الإسلام والمسلمين فى إطار الكهانة الكنسية الأوروبية.

تقول سيرة الكواكبى إنه ولد فى 1854 فى مدينة حلب السورية لأبوين شريفين يرجع نسبهما إلى البيت النبوى، ثم تعلم فى المدرسة الكواكبية التى كان والده مدرساً فيها ومديراً لها، وعندما بلغ الثانية والعشرين فى 1876 عمل فى جريدة «فرات» الرسمية، وسرعان ما تركها ليصدر أول جريدة باسم «الشهباء» فى حلب بالاشتراك مع هاشم العطار فى 1877، لكن الأتراك الذين كانوا يحكمون البلاد فى تلك الفترة لم يتركوها لأكثر من 16 عددا، بعدما ظهرت فيها مواهب الكواكبى فى مقالاته النارية ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى كانت بسبب الأتراك العثمانيين، ولم يستسلم الكواكبى فأسس جريدة الاعتدال فى 1879 وواصل مقالاته النارية حتى أغلقت هى الأخرى، وعندما بلغت حدة الصراع بين الكواكبى والسلطة العثمانية بحلب ذروتها وبدأت المكائد ضده، قرر الهجرة إلى مصر ووصلها فى 1899.