عن الحلقة الـ(13) من «حارة اليهود»: اليهود القراؤون لم ينتموا لطبقة الأثرياء (تحليل)

كتب: أحمد بلال الخميس 02-07-2015 22:56

رغم ابتعاد الحلقة الثالثة عشرة عن الأحداث التاريخية والمتعلقة بالطائفة اليهودية في مصر، بشكل كبير، والاهتمام بالدراما، وما آلت إليه حال المعلم العسال من تدهور، وكذلك انكشاف علاقة الضابط علي بمارسيل مزراحي، لحبيبته السابقة، ليلى، إلى ما غير ذلك من أحداث درامية، إلا أن المؤلف تطرق أيضًا في هذه الحلقة إلى قضية هجرة بعض اليهود إلى فلسطين المحتلة، بدعم من الحركة الصهيونية.

ورغم إظهار المؤلف أن ثمة دعما ماديا يقدمه صهاينة لتهجير اليهود من مصر إلى فلسطين المحتلة إلا أن عملًا يتحدث عن حقبة تاريخية معينة، وعن طائفة دينية بعينها، وعن سبب الهجرة من مصر تحديدًا، لا يمكن أن يمر مرور الكرام على وجود المنظمات الصهيونية في مصر، والتي كانت تعمل بشكل علني، ودور هذه المنظمات في تهجير اليهود المصريين، كمنظمات مرتبطة بالحركة الصهيونية، وبالوكالة اليهودية، أي أن عملية تهجير اليهود من مصر لم تكن تتم بشكل شخصي، تدعمه أسرة من الأسر، بقدر ما كانت تتم بشكل منظم تحت رعاية الوكالة اليهودية، التي كانت توفر الأموال من أجل هذه الهجرة، وهو الأمر الذي كان على المؤلف توضيحه في رأيي.

في الحلقة الثالثة عشرة، تتحدث والدة صفوت، اليهودية القرائية، عن ضرورة الاستمرار في تشجيع الهجرة إلى إسرائيل، وعن أن موسى هو الوحيد القادر على لعب هذا الدور، لذا فإن على صفوت أن يتناسى الموقف الذي حدث معه خلال زفافه، الذي لم يكتمل على ليلى، ويعيد علاقته بموسى، اليهودي الرباني، مرة أخرى، يستجيب صفوت، ويظهر موسى مع الأسرة في بيتهم الأرستقراطي مرة أخرى، تسأله والدة موسى عن سبب تراجع الهجرة إلى إسرائيل، فيرجع ذلك إلى الحذر من البوليس السياسي، وقلة الموارد المالية، فترد: «ارجع زي زمان.. الكيبوتس لازم يتملي لأنه أمل إسرائيل».

وفي هذين المشهدين، مغالطة تاريخية كبيرة، فاليهود القرائون، كما أوضحنا في حلقة سابقة، كانوا من الفقراء، ولم ينتموا لطبقة الأثرياء والباشوات، كانوا الأكثر اندماجًا في مجتمعهم المصري، لذلك كانت أسماؤهم مصرية لا يمكن تمييز الهوية الدينية لصاحبها، فنجد مثلًا رئيس طائفة القرائين بعد عام 1952 يُدعى عبدالعزيز خضر، ونجد أيضًا رئيس الطائفة الأسبق، إيلي مسعودة، يؤكد في تصريح له عام 1989: «أنا مصري 100% من جدود مصريين يمتد تاريخهم إلى أكثر من 1000 سنة، تخرجت في كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول سنة 1939م وعملت بوزارة التموين حتى وصلت إلى منصب مستشار الهيئة العامة للسلع التموينية قبل الخروج إلى المعاش سنة 1977».

ولم يكن لليهود القرائين نشاط صهيوني يُذكر تقريبًا، وعندما أدين أحد القرائين، وهو موسى مرزوق، في التفجيرات التي نفذها الموساد في مصر عام 1954، والتي عرفت باسم «فضيحة لافون»، تم اعتبار الشخص المذكور على أنه «فلتة»، كما يقول المناضل المصري الشيوعي اليهودي، ألبير أرييه، وبالتالي فإن إظهار عائلة قرائية في صورة الممول الرئيسي والوحيد لعمليات تهجير اليهود من مصر، فيه مغالطة كبيرة، وأيضًا عدم إدراك لطبيعة النشاط الصهيوني في مصر خلال هذه الفترة.

في كتابه «شتات اليهود المصريين»، قال الدكتور الأمريكي جوئل بينين، إن «الصهيونية اهتمت بتنظيم هجرة اليهود المصريين بين 1948- 1956. وكان اليهود الفقراء يتجهون إلى إسرائيل (بسبب عدم قدرتهم على الهجرة إلى أي مكان آخر) أما الأغنياء فيما عدا الصهاينة فقد اتجهوا إلى بلاد أخرى... كان القراؤون لا يهتمون بالصهيونية ولم يزد عدد من هاجر منهم إلى إسرائيل حتى عام 1956 على 100 شخص.. الإسرائيليون لا يعدونهم يهودا ويعتبرونهم ملحدين».

وأضاف بينين أن معظم اليهود القرائين المصريين هاجروا إلى الولايات المتحدة عند خليج سان فرانسيسكو ويبلغ عددهم 130 أسرة إضافة إلى 300 أسرة أخرى في «أماكن محددة» في بالتيمور ونيويورك وبوسطن وشيكاغو «ونظرا لإنكار اليهود الآخرين لهم أعاد هؤلاء بناء هيكل حياتهم اليهودية المصرية من جديد فهم مصريون في طعامهم وعاداتهم».

يؤكد جوئل بينين أن عدد من هاجر من اليهود القرائين المصريين إلى إسرائيل في الفترة من 1948: 1956 لم يزد على 100 شخص، وكتاب «شتات اليهود المصريين»، الذي ألفه بينين، هو واحد من المراجع التي اعتمد عليها الدكتور مدحت العدل في تأليفه العمل، بحسب ما قال لي، قبل أيام، إلا أن الدكتور العدل لم يُفسر كيف يكون القراؤون هم من يمولون الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، في حين أن طوال هذه الفترة لم يهاجر منهم سوى 100 فقط.

والحقيقة أن اليهود القرائين دفعوا ثمن هذا الولاء لوطنهم عندما أجبروا بعد ذلك على الهجرة، وهاجر منهم من هاجر إلى إسرائيل، التي لم تعترف بهم كيهود إلا في مرحلة متأخرة، وظلوا يتعاملون على أنهم من المجموعات الدينية الأخرى، حتى إنه عندما وقعت عملية تبادل أسرى استلمت إسرائيل بموجبها جثث من أعدموا في قضية تفجيرات 1954، رفضوا دفن القرائي موسى مرزوق، بحسب الشعائر اليهودية، بدعوى أنه غير يهودي.