هل قناة السويس الجديدة أولوية الآن؟

اخبار الثلاثاء 30-06-2015 21:32

هشام خليل يكتب...

فيه كلام كتير متداول حاليا بيحاول يسفّه من مشروع قناة السويس الجديدة هندسيا، وبيحاول يبين أنه ترعة وإن الحفر طبقا للخرائط لا يتعدى الـ 15 كم وخلافه. الموضوع فى وجهة نظرى مختلف شوية، وبما إن مفيش أرقام متاحة لدراسة الجدوى لمشروع قناة السويس، فقررت أدرس الموضوع شوية وطلعت بالآتى:

باختصار محاولة التقليل من حجم العمل الهندسى للمشروع مضللة شوية، لأن الموضوع المعلن من أول يوم هو إن مشروع القناة الجديدة متقسمة جزأين، جزء وهو حفر القناة الجديدة بطول 35 كم، وجزء تعميق وتوسيع الممرات الحالية فى البحيرات المرة بطول 30 كم وتوسعة وتعميق تفريعة البلاح بطول 7 كم. بإجمالى حوالى 72 كم.

وعلشان مبيعش دماغى لحد دخلت على برنامج ظريف تقدر تعرف منه المسافة عى خرائط جوجل، بتحدد له المسار وهو بيقولك المسافات (مرفق صور للمسارات ومسافاتها) واللى عايز يتأكد بنفسه يدخل على اللينكات دى. صوره 1،2،3،4

daftlogic.com/projects-google-maps-distance-calculator.htm

مسار تعميق الممرات فى البحيرات المرة 30كم

tinyurl.com/pt55ab9

مسار حفر القناة الجديدة 35 كم

tinyurl.com/pt55ab9

مسار توسعة وتعميق ممر البلاح 7كم

tinyurl.com/nr2799h

بس الموضوع أكبر من كده، الموضوع متعلق أكتر بالجدوى الاقتصادية القصيرة الأجل والطويلة الأجل، والعوائد المتوقعة منه ومقارنتها بأولويات أخرى.

فيه شوية معطيات لازم نبقى عارفينها علشان نعرف نتكلم فى الموضوع ده. وهى كالآتى:

■ إن متوسط عدد السفن اللى بتعدى فى القناة هو 49 سفينة يوميا، والقدرة الاستيعابية حاليا هى 76 سفينة يوميا، وأقصى عمق غاطس للسفينة هو 22 مترا وأقصى وزن مسموح به هو 240 ألف طن (Dead weight).

■ الإحصائية التانية المؤثرة هى إن القناة بوضعها الحالى من عمق غاطس وعرض الممر قادرة على خدمة64٪ من ناقلات البترول، 96.8٪ من أسطول سفن الصب و100٪ من باقى أنواع السفن، يعنى التعميق والتوسعة ممكن تساعد فى زيادة عدد ناقلات البترول الضخمة فقط ولا تأثير لها على أنواع السفن الأخرى لأنها كلها ممكن تعدى من غير توسعة ولا تعميق. (صوره 5)

■ ناقلات البترول العملاقة اللى أكبر من السويس ماكس نوعين

الـ VLCC- Very Large Crude Carrier،

ULCC- Ultra large Crude carrier

إحنا مينفعش يعدى عندنا الـ ( ULCC (Ultra Large Crude Carrier) لأنها بتحتاج تعميق يصل إلى 35 مترا وبتحتاج موانئ مخصوصة ودول بياخدوا طريق رأس الرجاء الصالح، أما الـ VLCC فالغاطس بتاعهم يتراوح بين 21 مترا و28 مترا، فبعضهم لحد غاطس 21 مترا بيقدر يعدى فى قناة السويس والبعض الآخر اللى الغاطس أعمق بيخف الحمولة من البترول وبتعدى فى أنابيب سوميد وبيرجع يملا تانى فى سيدى كرير أو بيخف حمولة على سفن أصغر. لكن دى عملية مكلفة وبتاخد وقت كتير.

الأهداف المعلنة للمشروع الأتى:

■ الهدف الأول من مشروع القناة الجديدة هو تقليل فترة الانتظار وزيادة سرعة التقاطر، علشان المتوقع سنة 2023 هيصل حجم المرور فى القناة إلى 97 سفينة يوميا.

■ الهدف التانى هو تعميق القناة إلى 24 مترا بحيث تستوعب ناقلات أكتر من فئة

(VLCC- very large crude carriers also known as supertankers) اللى بتحتاج غاطس بين 21 مترا و28 مترا، وحمولة تصل إلى 300 ألف طن. علما بأن التعميق لحد ٢٤ متر مش معناه زيادة الغاطس إلى ٢٤ متر، لأن غاطس السفن لازم يبعد من ٢ إلى ٤ أمتار من قاع القناة.

■ الهدف التالت المروج له إعلاميا من تحت لتحت هو قطع الطريق على مشروع خط القطار (ميد ريد) اللى إسرائيل بتفكر تعمله بين ميناء إيلات على البحر الأحمر وميناء أشدود على البحر المتوسط بطول ٣٥٠ كم.

طيب، لو قارنا إحصائيات عبور القناة فى الخمس سنين اللى فاتت بدءا من انهيار السوق العالمى فى 2008 هنلاقى إن عدد للسفن بيقل من 17993 سفينة فى 2010 إلى 17148 سفينة فى 2014، لكن فى نفس الوقت اللى فيه عدد السفن بتقل نلاقى إن متوسط الحمولة للسفينة بيزيد من 47 ألف طن فى 2010 إلى 57 ألف طن فى 2014. نقدر نستنتج من ده إن فى توجه نحو الاعتماد على سفن أكبر وبالتالى التعميق هيكون مهم لاستيعاب التوجه العالمى نحو السفن الأكبر ذات الغاطس الأعمق. وده بيصب فى صالح أهميه التعميق والتوسيع للقناة الحالية لاستيعاب النمو المتوقع فى السفن الأكبر حجما ذات الغاطس الأعمق. (صورة 6)

وزى ما قلنا فى المعطيات السابقة إن القناة بحالتها الحالية بتستوعب إن يعدى منها تقريبا 100% من أنواع السفن، وبتستوعب إن يعدى منها 64% فقط من أنواع ناقلات البترول، لأن الناقلات الكبيرة أوى متقدرش تعدى علشان العمق. نقدر نستنج من كده إن أى شغل فى القناة الهدف منه زيادة حصة مصر من عبور ناقلات البترول.

طيب، إحنا مر من القناة عندنا سنة 2014 عدد 4.053 ناقلة بترول، منها 73 ناقلة بترول من فئة الـ VLCC (تقريبا 2% من ناقلات البترول اللى بتعدى فى القناة من فئة الـ VLCC) وزى ما قلنا إن الفئة دى نسبة كبيرة منها مينفعش تعدى فى القناة علشان عمق الغاطس أو تكلفة تخفيف الحمولة. وبعد التعميق عدد أكبر من ناقلات الـ VLCC تقدر تعدى من القناة. (صوره 7)

بمعنى أدق إن الهدف القصير الأجل هو زيادة عدد ناقلات البترول من فئة الـ VLCC لحد غاطس 22 متر اللى تقدر تعدى من القناة بعد التعميق.

وبالتالى نقدر نحسب الجدوى الاقتصادية القصيرة الأجل بحسبة بسيطة:

إجمالى عدد ناقلات البترول VLCC فى العالم سنة 2014 بلغ 638 ناقلة بمتوسط 6.5 رحلة سنويا للناقلة الواحدة، يعنى حوالى 4150 رحلة سنويا، ولو أخدنا حصتنا العالمية وهى 8% من إجمالى النقل البحرى العالمى يبقى هيعدى عندنا 330 سفينة. وزى ما قولنا إن جزء فقط من هذه السفن اللى الغاطس بتاعها لا يتعدى 22 متر هيقدر يعدى فى القناة، يبقى لو كنا متافئلين جدا ونفترض إننا هناخد 66% من الـ 330 ناقلة بترول. علما إن قناة السويس بتشترط على الناقلات العملاقة اللى عرضها بيصل إلى 60 متر إنها تخفف الحمولة علشان الغاطس بتاعها لا يتعدى 16.7 متر علشان حاجة فنيه ليها علاقة بعرض السفينة وعمق الغاطس. (beam to draft).

لكن استكمالا لمبدأ التفاؤل اللى ماشيين بيه فى الحسابات. هنفترض إن التعميق قدر يضاعف عدد السفن من فئة الـ VLCC إلى 3 أضعاف من 73 سفينة إلى 220 ناقلة بمتوسط حمولة 250 ألف طن، ده هيؤدى لزيادة إجمالى صافى الحمولة السنوى تقريبا بـ 36.5 مليون طن، اللى تمثل زيادة فى إجمالى الحمولة السنوية تقريبا بـ 3.8% (36.5 مليون طن سنوى /962 مليون طن سنوى) يعنى لو حولناها فلوس، وناخد فى الاعتبار إن رسوم عبور القناة بتختلف طبقا لنوع الحمولة واتجاه العبور، يعنى ناقلات البترول الخام بتدفع أقل رسوم عبور، تليها سفن الحاويات ثم ناقلات البترول وأعلى شريحة سفن الكارجو، لكن إحنا هنحسب على المتوسط للتبسيط، الزيادة فى الإيراد بناء على متوسط رسوم العبور هتمثل زيادة من 5.405 مليار دولار إلى 5.610 مليار دولار. يعنى 205 ملايين دولار سنويا! (صوره 8)

الرقم التالت المهم هو إن القناة الجديدة هتوفر فترة المرور اللى بتستغرقها السفن للعبور فى القناة من 18 ساعة إلى أقل من 11 ساعة، لكن ده مش سبب كافى لحفر قناة جديدة النهارده، لأن القناة كده كده بحالتها القديمة بتوفر مسافة من 3300 ميل إلى 4800 ميل أكتر من رأس الرجاء الصالح وده على حسب الرحلة، يعنى لو الرحلة من طوكيو بتوفر 3300 ميل ولو من جدة بتوفر 4800 (تقريبا)، يعنى على الأقل بتوفر 10 أيام لو الناقلة ماشية بدون توقف. يعنى الست ساعات التوفير مش هما اللى هيفرقوا فى زيادة الطلب على المرور فى القناة.

أما بخصوص قطع الطريق على خط القطار (ميد ريد) اللى إسرائيل بتفكر تعمله بين ميناء إيلات على البحر الأحمر وميناء أشدود على البحر المتوسط بطول ٣٥٠ كم.

خط القطار ده لو اتنفذ اصلا لا يمثل أى تهديد لقناة السويس لعدة أسباب أهمها:

أولا: الخط ده هينقل حاويات فقط ومش هيقدر ينقل أى حاجة سايلة أو بترول أو غاز أو غيره، والحاويات بتمثل ٣٠٪ فقط من البضاعة اللى بتمر من قناة السويس.

ثانيا: ٣٢ مليون حاوية بتعدى فى قناة السويس كل سنة، فى حين إن دراسة الخط الإسرائيلى بتقول إنه أقصى حمولة له هى 150 ألف حاوية سنويا، يعنى نص فى المية (٠.5٪) من عدد الحاويات اللى بتنقل فى قناة السويس.

ثالثا: الجدوى الاقتصادية لخط القطار منعدمة، بمعنى إن الشحن البرى لحمولة سفينة عبر إيلات قد يستغرق 21 يوما، إذ ستصل كلفة تفريغ وشحن الحاوية الواحدة قرابة ألف دولار، بينما فى قناة السويس عبور السفينة لا يستغرق 14 ساعة وكلفة الحاوية الواحدة لا تتعدى 30 دولارا.

رابعا: تكلفة خط القطار ١٠ مليارات دولار وهيتنفذ فى ٥ سنين، وده مشروع قديم من أيام بن جوريون ومتنفذش لحد دلوقتى لعدم جدواه الاقتصادية.

أما النقطة الجوهرية الخاصة بزيادة عدد السفن العابرة من 49 سفينة يوميا النهارده إلى المرجو وهو 97 سفينة يوميا سنة 2023، العامل المؤثر فى زيادة عدد السفن المارة فى القناة هو نمو حجم التجارة من وإلى أوروبا، وده ابتدى يحصل فعلا بس بنسبة نمو ضعيفة، يعنى طبقا لمعدل النمو فى حجم التجارة ممكن نقدر نوصل لأقصى عدد من السفن العابرة حاليا 76 سفينة يوميا فى سنة 2020، وفى أحسن الظروف نوصل الكثافة الجديدة وهى 97 سفينة يوميا سنة 2023 (طبقا للأرقام الحكومية المعلنة)

نقدر نستنج من ده إن العائد قصير الأجل من مشروع القناة هيكون من تعميق القناة اللى هيسمح بعبور عدد أكبر من ناقلات البترول العملاقة، مش من تقليل وقت الانتظار أو زيادة سرعة المرور.

أقدر أستنتج إيه من الأرقام اللى فوق، كذا حاجة:

أولا: إننا مش هنبتدى نستفيد فعليا من زيادة عدد السفن المارة فى قناة السويس قبل 5 سنين وده متوقف على حجم التجارة من أوروبا. يعنى كان ممكن تأجيل الحفر للقناة الجديدة على الأقل 5 سنين واستغلال الفلوس دى فى أولويات تانية.

ثانيا: المكسب الفعلى القصير الأجل هو تعميق الممر الملاحى اللى هيسمح بمرور عدد أكبر من ناقلات البترول العملاقة VLCC، وده فى تقديرى مش هيزود الإيراد أكتر من 4% فى المدى القريب.

ثالثا: المشروع فعلا مشروع (هندسى) عملاق واستثمار (يمكن تأجيله) فى المستقبل، مش زى ما فيه ناس بتحاول تسفهه، وتنفيذه فى سنة واحدة إعجاز هندسى، وزى ما اتريقنا على جهاز الكفتة لازم ندى الناس اللى اشتغلت على الأرض فى المشروع ده حقهم، ونشيد بيهم لتحملهم المسؤولية وتحمل تبعات إن مشروع كان مدروس له أنه يتنفذ فى ٣ سنين وفى لحظة تجلى بقت سنة وقبلوا التحدى ونفذوا، ومش ذنبهم إن المشروع كان ممكن المفروض يتدرس أحسن من كده أو مش أولوية دلوقتى، أو كان ممكن تأجيله والاكتفاء بالتعميق فى المرحلة دى، أو توجيه الاستثمارات دى فى مشاريع أخرى ممكن تدر عائد برضو زى مشاريع الطاقة، أو الاستثمار فى تنمية المحور اللوجيستى الخدمى لقناة السويس.

الخلاصة بالنسبة ليا هى مسألة الأولويات، يعنى الأولوية الأولى بالنسبة ليا هى الاستثمار فى الإنسان سواء صحته أو تعليمه وهو استثمار لا يقدر بثمن، ولو عايز أستثمر فى مشاريع تجيب عائد هتكون الأولوية لمشروع تنمية المحور اللوجستى لقناة السويس اللى ممكن يعمل طفرة فى حجم الاستثمارات وتنمية مستدامة بجد. لكن واضح إن الدولة أولوياتها مختلفة، أولوياتها إنها تعمل مشاريع قومية كبيرة تعمل بيها شو إعلامى حتى لو كانت غير مدروسة جيدا ولا حصل عليها نقاش مجتمعى محترم. ولا من خلال رؤية متكاملة للأولويات. وده فى وجهة نظرى مينفعش مع بلد خربانة ومفلسة أساسا. الكلام ده ينفع مع بلد زى الإمارات، اللى ممكن تعمل حاجة زى كده غناوة، لكن فى ظروفنا إحنا منستحملش سفه. الموضوع ده عامل زى ما يكون واحد عنده ١٠ عيال فقرر إنه يشحت علشان يودى واحد يتعلم فى هارفرد علشان يستثمر فى مستقبله، والتسع عيال التانيين عندهم كانسر ومش لاقيين ياكلوا.

علشان كده بتقول إن النية الصافية مش كافية، وإن المشاريع الكبيرة مهم تتعرض بشفافية تامة للنقاش المجتمعى وأكيد ده هيفتح زوايا تانية للرؤية، ويكون فيه مجلس شعب منتخب فيه كفاءات محترمة تقدر تراقب وتدرس وتشرع.

أنا عارف انه كلام غلس بس حد لازم يقوله، وأتمنى من كل قلبى أطلع غلطان.