هل تشكل التكنولوجيا ضمانة لنزاهة العملية الانتخابية؟

مروة نظير الأحد 28-06-2015 22:06

يتمثل الهدف الرئيس من السعى إلى ضمان حرية ونزاهة العملية الانتخابية في تحقيق المساواة بين أصوات المقترعين في التأثير على النتائج من جهة، وضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين المتنافسين من جهة أخرى. ولتحقيق ذلك غالبا ما يتم الركون إلى مجموعة من الضمانات تتعلق إما بإدارة العملية الانتخابية ذاتها أو بآليات مراقبتها ومتابعة فعالياتها. وتتبدى أهم تلك الضمانات في وجود جهة مستقلة حرة ونزيهة تتولى إدارة مختلف مراحل العملية الانتخابية، فضلا عن ضمانات أخرى، لعل من أبرزها الإشراف القضائي على العملية الانتخابية، الرقابة الشعبية على الانتخابات، الرقابة الدولية على الانتخابات.

وإزاء الجدل الدائر حول هذه الضمانات، لاسيما تلك المتعلقة بفكرة الرقابة على الانتخابات بمختلف أشكالها، فقد برز الاتجاه إلى ضرورة تطوير الضمانات ذات الصلة بإدارة العملية الانتخابية ذاتها، لاسيما من خلال توظيف التكنولوجيا المتطورة في إدارة العملية الانتخابية بما يقلل من احتمالات الخطأ المتعمد أو غير المتعمد في هذه العملية.

مكاسب محتملة

ينطلق مؤيدو التوجه لاستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في مختلف مراحل العملية الانتخابية، من قناعة مفادها أن نزاهة الانتخابات ترتبط بمفاصل وأدوار معينة من العملية الانتخابية، وأن التكنولوجيا محايدة وباستخدامها في هذه المفاصل من الانتخابات ستخرج يد الإنسان- العابث – من التحكم بنتائج الانتخابات. فهناك عدد من التغييرات التي يمكن أن تحدثها التكنولوجيا الحديثة في تنظيم الانتخابات، منها على سبيل المثال: التصويت الالكتروني، التصويت عبر الانترنت، القارئ الإلكترونى، البصمة الالكترونية.. وغيرها.

فالاعتماد على مثل هذه الآليات يجعل الناخب مطمئنا على حقيقة الأصوات التي شاركت في العملية الانتخابية، فضلا عما تحمله من ميزات أخرى مثل الحفاظ على صوت الناخب وعدم التلاعب فيه، فالناخب يكون أكثر حرية بالإدلاء بصوته دون تدخلات موظفي المفوضية ومراقبي الكيانات الذين يستغلون وجودهم في مراكز الاقتراع ويتلاعبون بأصوات الناخبين إلى جانب الحد من ظاهرة التصويت الجماعي. كما تمنع ضياع حق أي ناخب بالإدلاء بصوته مهما كان مكان إقامته، إذ إن هذه الطريقة لا تمنع مشاركته والإدلاء بصوته بسبب عدم وجوده في محل سكنه، فضلا عن ضمان دقة النتائج وظهورها باليوم نفسه.

وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الدول التي خاضت تجربة ميكنة الانتخابات، وإضفاء الطابع التكنولوجي عليها تؤكد أن تلك التجربة تشكل الحل الأمثل والسليم للخروج بنتائج ترضي جميع الأطراف المشاركة في العملية الانتخابية.

محاذير ومتطلبات

بيد أنه وعلى الجانب الآخر تبرز آراء فرق آخر يرفض - أو على الأقل- يتحفظ على هذا التوجه، ويشير أنصار هذا الرأي إلى عدد من الملاحظات الأساسية، لعل أبرزها:

- أن الرأي المؤيد لاستخدام التكنولوجيا كوسيلة لضمان حرية ونزاهة الانتخابات يختزل العملية الانتخابية في مجموعة من الإجراءات ويهمل الأخرى والتي تضم التشريعات وتلك التي ترتبط بـ(طبيعة النظام الانتخابي، شكل الإدارة الانتخابية، مشاركة الأحزاب وشروط الترشيح، الدعاية وتنظيم التمويل الحزبي، تثقيف الناخبين، مواد الاقتراع، تسجيل الناخبين، المراقبة الانتخابية، الإدارة والتوظيف.. إلخ) وعليه فإن إجراء انتخابات نزيهة يتطلب أن تتسع معه النظرة للإجراءات المتخذة لضمان هذه النزاهة تشمل مرحلة ما قبل الانتخابات وأثناء الاقتراع وما بعد العملية الانتخابية.

- أن افتراض الحيادية المطلقة في التكنولوجيا المستخدمة في الانتخابات لغرض تحقيق النزاهة يواجه بطبيعة التكنولوجيا نفسها، والتي توصف بأنها امتداد للإنسان وإرادته ومن ثم فالإنسان يتحكم بالتكنولوجيا، الأمر الذي يعني أن التكنولوجيا قادرة على تحقيق نزاهة الانتخابات، طالما أن حيادها مقرون بإرادة الإنسان ذاته. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن بعض التجارب الانتخابية شهدت قيام بعض الكيانات السياسية بالتشكيك بالتلاعب بالبرامج الخاصة بتسجيل الناخبين وتحديث بياناتهم والبرامج المستخدمة لعد نتائج الانتخابات في مركز العد والتدوين.

- هناك بعض الأضرار التي قد ترافق استخدام التكنولوجيا في الانتخابات، يكفي أن نشير إلى ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2000، حيث تسببت أعطال في أنظمة الاقتراع الإلكتروني بضياع أكثر من 4 ملايين صوت. وإذا كان مثل هذا الأمر قد مر بسلام في الولايات المتحدة الأمريكية فإن ذلك قد يتسبب بمشاكل كبرى في الدول التي تعاني من عدم الاستقرار والانقسامات السياسية والاجتماعية.

- يشترط لاستخدام التكنولوجيا في الانتخابات تواجد الكوادر الوطنية القادرة على إنتاج البرمجيات، والقدرة على التحقق ومراجعة العمليات ونتائجها مثلما توفر الطرق التقليدية ذلك، ووجود الضمانات والأمان في استخدام مثل هذه التكنولوجيا، والأهم من ذلك كله وجود الفهم والثقافة بمستوى التكنولوجيا المستخدمة بما يتيح قابلية التصديق والثقة بنتائج استخدامها.

ختاما لابد من التأكيد على أن حرية ونزاهة العملية الانتحابية وإن كانت في جانب منها مسألة إجرائية تعتمد على عدد من المعايير المستقر عليها في الأعراف والمواثيق الدولية والوطنية، بيد أنها في التحليل النهائي حالة لا تتحقق دونما وجود لإرادة سياسية راغبة في تحقيقها، وإدارة سياسية تسعى إلى ذلك. فالأمر لا يتعلق فقط بوجود مجموعة من الأسس والقواعد التي ينبغي الالتزام بها، بل يتضمن كذلك إطارا عاما يحكم سلوكيات الفاعلين والأطراف السياسية المعنية من ناخبين ومرشحين متنافسين وإدارة وجهات مراقبة.