وجوه من زمن الفتنة

عماد جاد الأحد 28-06-2015 21:42

لم تتوقف انتهاكات السلفيين لنمط حياة المصريين، فدعواتهم تناسب أهل البادية لا الحضر، وطريقة الحياة التى يدعون إليها أقرب إلى حياة مرحلة ما قبل الدولة الحديثة، بل وما قبل ظهور العقد الاجتماعى وما ترتب عليه من حقوق وواجبات تتعلق بقيمة المواطنة التى تتجاوز الانقسامات الأولية ومن عرق ولغة ودين وجنس، فالصلة أو الرابطة هى بين بشر يقطنون مكاناً محدداً ويخضعون لسلطة معينة دون تمييز بينهم لاعتبارات تتعلق بعوامل الانقسام الأولى. كان التيار السلفى قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير يعمل فى مجال الدعوة ويخضع لتعليمات الأجهزة الأمنية وتحديداً جهاز مباحث أمن الدولة، أصحاب فكر تقليدى أقرب إلى الوهابى السعودى، لا علاقة لهم بالسياسة ولا وجود للثورة أو تمرد فى فكرهم، هم أصحاب مدرسة تحرّم الخروج على الحاكم، ولديهم فتاوى تتواءم مع مختلف التطورات. مع اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير ظهروا على السطح، ومع تفكك جهاز مباحث أمن الدولة تقطعت الخيوط والروابط، ومع تصدر جماعة الإخوان للمشهد، هناك من نصحهم باستغلال الموقف والحصول على جزء من مكاسب مرحلة ما بعد الثورة، واستغلال ضعف وهشاشة مؤسسات الدولة وفرض أنفسهم كرقم صعب فى المعادلة. استعان بهم رجال المجلس الأعلى للقوات المسلحة، دفعوا بهم للمساهمة فى حل المشاكل الطائفية التى تفجرت بعد الثورة مباشرة، وكانت عملية أشبه بسكب الزيت على النار، أسسوا حزباً سياسياً وشاركوا الجماعة فى تديين العملية السياسية التى بدأت بعد الخامس والعشرين من يناير، جعلوا من الاستفتاء على التعديلات الدستورية استفتاء على الدين، فقد كان المطلوب تمرير هذه التعديلات التى سمحت لأول مرة بتأسيس الأحزاب على أساس دينى، وخرج من رجالهم من يقول إن الجماهير قالت نعم للدين وإن من قال لا أمامه الهجرة إلى كندا.

عمل التيار السلفى على خدمة هدف تحويل مصر إلى دولة دينية والتقى مع الجماعة فى تحقيق هذا الهدف، وإذا كان قد حدث تباين أو اختلاف فهو على الدور والمكانة لا الهدف النهائى المشترك، شاركوا الجماعة فيما سمى بجمعة « قندهار» ثم جمعة «الشريعة والشرعية»، واحتلت قواعد التيار السلفى حشود رابعة والنهضة.

وجود حزب النور فى مشهد ٣ يوليو كان وجودا اضطراريا بعد تيقن التيار من تهاوى الجماعة من ناحية وتطلعا لوراثة دور الإخوان من ناحية ثانية، لعبوا لعبتهم فى صياغة دستور البلاد الجديد، وروجوا أن وجودهم فى اللجنة هو ما حافظ على مواد الشريعة الإسلامية فى مشروع الدستور، تحايلوا على نصوص دستور البلاد الجديد الذى ينص على عدم جواز قيام الأحزاب على أساس دينى، فقالوا إن حزبهم هو حزب مدنى بمرجعية دينية، مثلما كان يقول الإخوان عن حزبهم، وكانوا يشيرون إلى المادة الثانية من الدستور على اعتبار أنها تمثل قاعدة وجود أحزاب على أساس دينى. استغلوا إلى أقصى درجة ما أدركوه من حاجة النظام العملية لوجود أحزاب سلفية فى المشهد السياسى بعد الثالث من يوليو فضغطوا للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، وعلى رأسها الصعود إلى المنابر برضا وموافقة وزارة الأوقاف.

وعلى مدار العامين الماضيين نجح التيار السلفى فى تثبيت أوضاعه فى مجالى الدعوة والحياة السياسية، ولديهم قناعة تامة بأنهم ورثة الإخوان، ويبدو أن هذه القناعة تتلاقى مع أخرى أمريكية أو ضرورة واقعية لدى واشنطن بأن حزب النور السلفى سيرث حزب الحرية والعدالة والإخوانى، ومن ثم بدأت اللقاءات سريعاً فى واشنطن وفى السفارة الأمريكية بالقاهرة.

مشكلة هذا الوضع مركبة للغاية، فمن ناحية أولى فإن وجود حزب النور السلفى وغيره من الأحزاب الدينية يعيق عملية التحول الديمقراطى المتعثر فى البلاد، فلا ديمقراطية دون فصل الدين على السياسة ووجود هذه الأحزاب قائم على الخلط بينهما، ويمكن لمثل هذه الأحزاب أن تستغل حال المجتمع الذى يعانى من الفقر والجهل ومن ثم يسيطر بخطابه الدينى على قلوب الفقراء والبسطاء ومن ثم يلعب دورا خطيرا فى إعاقة عملية التحول الديمقراطى فى البلاد. ومن ناحية ثانية يعمل وجود الأحزاب الدينية على إضعاف الروح الوطنية، فالوطن لديهم جميعا «حزمة من التراب العفن» والرابطة لديهم دنسة لا وطنية، ومن ثم لا يعشقون تراب الوطن، ولا يحترمون النشيد الوطنى ولا يؤدون التحية لعلم البلاد، فكلها لديهم عناصر جاهلية ووثنية. ومن ناحية ثالثة فهم جميعا لا يؤمنون بالديمقراطية وكل ما يرتبط بها من قيم، ويعتبرون التحزب من عمل الشيطان، وإذا قبلوا بالعمل وفق قواعد اللعبة «الشيطانية فى قناعاتهم» فذلك إلى حين الوصول لمرحلة التمكين، بعدها لا ديمقراطية ولا تعددية ولا أحزاب ولا انتخابات بل جماعة واحدة تفرض قانونها ورؤيتها على الجميع وبالسلاح. ومن ناحية رابعة لا تؤمن هذه الأحزاب بقيمة المواطنة ولا المساواة وتعتبر المخالف لها دينيا وفقهيا وطائفيا، أدنى من مرتبة العضو فى الجماعة، حقوقه منقوصة وعليه أكثر مما على أعضاء الجماعة من واجبات ومنها الضريبة الخاصة التى تسمى «الجزية». وتعد تصريحات وفتاوى الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية الأكثر وضوحا وصراحة فى التعبير عن فكر التيار السلفى بعكس مواقف وتصريحات جناحها السياسى، حزب النور، ومؤخرا وضع برهامى ما سماه «تأصيل شرعى لأتباعه وللمسلمين» بألا يتعاونوا مع العلمانيين ودعاة الديمقراطية والوطنية والاشتراكية، فهم دعاة جهنم ومثواهم النار فقد جمع الرجل فى دعاة جهنم أنصار الوطنية المصرية أى من يؤمنون بمصر وطنا لجميع المصريين، ودعاة الديمقراطية أى الذين يؤمنون بمصر دولة مدنية حديثة تنهض على المواطنة والمساواة وحكم القانون، مصر دولة تقوم على التعددية الحزبية ودورية الانتخابات وتداول السلطة، على المساوة والمحاسبة، على مبدأ أن الحاكم موظف عام يعمل لدى الشعب لا سيدا للشعب، عقده مع المواطنين لا ظل الله على الأرض. ما تحدث به السيد برهامى هو ما يؤمن به كل أعضاء وأنصار تيار الإسلام السياسى من إخوان وسلفية وجماعات جهادية، وقد عبر عن فكره بوضوح بعيدا عن الأعمال البهلوانية التى يقوم بها عناصر الجناح السياسى للحركة.