«فصبر جميل».. عبارة قصيرة تهزني كلما قرأتها في القرآن الكريم على لسان نبى الله يعقوب في سورة يوسف، ياله من معنى: الصبر الجميل، الاحتمال بلا شكوى، الجلد بلا أنين، الثبات عند الابتلاء واليقين عند الشك، والإيمان بأن بعد العسر يسرا. الصبر، كم مرة حثتنى أمي عليه في طفولتي وصباي وشبابي المبكر، كنت دوما من الذين يتصفون بالتسرع، وكانت مطالبتها لى بالصبر آنذاك لاتجد في النفس ميلا ولافى القلب قبولا، ولكن مع مرور الأيام والسنين، تبدو الأمر مختلفة، الزمن يصقلك، والخبرة تعلمك ان الصبر مفتاح الفرج.
ورد ذكر الصبر ومشتقاته أكثر من مئة مرة في القرآن الكريم ولقد وعد الله الصابرين بالخير الكثير :«إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» الزمر، وقرن الله تعالى الصبر بالعبادات: «وَاستَعِينُوا بِالصّبرِ وَالصّلاة» البقرة ،قال سبحانه وتعالي أن الصابرين في معيته حيث جاء في سورة الأنفال: «واصبروا إن الله مع الصابرين».
كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: ما أعطي أحد عطاء خيرا أوسع من الصبر.
ولقد جعل الله من سيدنا أيوب مثالا للصبر، فهذا النبى صبر على الابتلاء لسنوات طويلة، امتدت لأكثر من عشر سنوات فهناك خلاف على عددها في كتب السيرة، حيث امتحنه الله امتحانا عسيرا، ولكنه نجح بتفوق استحق به أن يذكر كمثال للصبر، على عكس نبى الله يونس الذي يأس من أهله ولم يصبر عليهم فأدبه الله حين تركه في بطن الحوت ليشعر بالندم.
كلما قرأت عن أيوب استوقفتنى العبرة ولم تشغلنى التفاصيل، من هو وأين ومتى عاش؟ فلو عرفت هذه المعلومات أو لم أعرفها لن يفوتنى الكثير، ولكن المدهش كيف يمكن لبشر أن يتحمل كل هذه المحن؟ السنوات الطويلة كفيلة بأن تدخل الشك في النفوس، والشك عدو الصبر، فكيف لم يدخل الشك في قلب أيوب؟ كيف تحمل كل هذه العذابات، الفقر والمرض وموت الأحباب وجحود الناس والألم المصاحب لكل هذه المحن دون ان يتسرب الشك إلى نفسه، واستمر في عبادة الله وشكره .
ولقد وصف الله أيوب في القرآن بصفتين: «إِنَّا وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً نّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» الأولى أنه صابر والثانية أنه أواب ومعناها أنه كثير الرجوع إلى الله، كثير الذكر والتسبيح، صبر أيوب وقدرته على التحمل جائت بسبب ذكره لله الذي لم ينقطع، الصبر ريحانة الإيمان .
وفى اللغة صبَر الشخص معناه: رضى، تجلد، تحمل، انتظر في هدوء واطمئنان دون شكوى ولم يتعجل
وللصبر أفضال كثيرة، يقول على بن أبي طالب رضى الله عنه:ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسم، ثم رفع صوته فقال: إنه لا إيمان لمن لا صبر له .
وقال الحسن بن على: الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبدكريم عنده .
وقال عمر بن عبدالعزيز: ما أنعم الله على عبدنعمة، فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر، إلا كان ما عوضه خيرا مما انتزعه .
اتذكر أيوب كثيرا في شهر رمضان الذي سماه العرب شهر الصبر، واتذكر كيف اشتهر المصريين بالصبر على مدى تاريخهم، كانوا يدركون بفطرتهم السليمة الفرق بين الصبر واليأس، فالصبر يصاحبه الأمل ولكن اليأس يصاحبه التشاؤم، كنا صابرين ولم نكن يوما يائسين، وهنا قد اختلف مع صلاح جاهين في رباعياته التي يقول فيها :
يأسك وصبرك بين ايديك وانت حر
تيأس ما تيأس الحياة راح تمر
أنا دقت من ده ومن ده وعجبي لقيت
الصبر مر وبرضه اليأس مر
عجبي
لقد جعل جاهين الصبر واليأس يشتركان في مذاق المرارة، وهو ما اخالفه فيه، فالصبر نتاج الرضا، والرضا يأتى من الإيمان بالقضاء والقدر، والرضا لاتخالطه مرارة بل سكينة، ولكننى اوافقه في ان الصبر أختيار وليس اضطرار كما يتصور البعض .
اتدبر أمرى وأمر اهل مصر، واتسائل هل مازلنا على حالنا، اهل صبر وجلد واحتمال ،اما أننا قررنا أن «للصبر حدود» وأن صبرنا قد نفد ...
تدبر هذه الآية الكريمة «واصبروا إن الله مع الصابرين» وقرر بعدها ...صبرك ويأسك بين ايديك وأنت حر .
ektebly@hotmail.com