وزير الثقافة وقيادات ما قبل التاريخ

رامي جلال السبت 27-06-2015 21:22

لفت نظرى من متابعتى اليومية للأخبار أن الشهر الحالى وحده شهد عدداً ضخماً من نشاطات وزير الثقافة المصرى. فعلى سبيل المثال، افتتح الرجل مسرح السامر ومقهى مصر المحروسة ومعرض السوق بقصر الأمير «طاز»، ومعرض فيصل للكتاب. وطرح المشروع المهم «صيف بلدنا» وهو يضم 18 برنامجًا ثقافياً وفنياً، فضلاً عن لقاءات مهمة وزيارات مفاجئة. كما وضع خطة لترجمة وتسويق الأعمال الأدبية المصرية، وأطلق مسابقة أفضل موقع ثقافى. ونظم برنامجًا تثقيفيًا لمئات من شباب المحافظات الحدودية. كل هذا بجانب التحضير لتوقيع عدة اتفاقيات ثقافية مع إثيوبيا والسنغال وجيبوتى ومدغشقر وجزر القمر، لتعزيز الجهد السياسى المبذول في أفريقيا.

نشاطات لافتة ومكثفة، لكن لماذا لا يهتم الإعلام بتلك الموضوعات ولماذا لا يتحرك الملف الثقافى خطوات كبيرة؟ إجابة السؤال الأول تكمن في أن الإعلام مشغول بملفات أخرى تهمه مثل زواج أحمد عز من زينة، وخناقة أحمد موسى مع الغزالى حرب، كما أن الثقافة لا تجذب الإعلانات.. وزارة الثقافة لا تتمركز في الإعلام المصرى إلا بوصفها هدفاً للهجوم لأنها وزارة بلا قوة تنفيذية فيتجرأ عليها كل شخص يريد أن يُظهر نفسه بأنه مُعارض للحكومة، بينما لا يجرؤ معظم هؤلاء على رفع عيونهم لوزارة الداخلية مثلاً؛ فـ «السيف أصدق أنباء من الكُتب»!

منصب الوزير نفسه دائماً مُعرض للهجوم، فبعض المثقفين يشعرونك أن وزارة الثقافة لابد وأن يديرها أحد المتخصصين في العرى أو المتحمسين لتقنين الدعارة (مع الاحترام لحق الجميع في إبداء آرائهم). ومن المحتم أن يكون وزير الثقافة مستنيراً رافضاً للجهل والتجهيل، لكن المنصب بطبيعته- أي منصب- يفرض مواءمات تبتعد عن الشطط والتطرف في أي اتجاه.

جزء كبير من أزمة المثقفين مع أي وزير ثقافة تنبع من إحساس كل فرد منهم أنه أثقف المثقفين وبناء عليه لابد وأن يكون هو نفسه الوزير. بينما حقيبة وزارة الثقافة تحتاج فيمن يحملها أن يكون إدارياً قوياً، مثقفاً ملماً بالسياسة.

جهود الوزير مهمة ومحمودة لكن الملف الثقافى لن يتقدم إلا بتطهير الوزارة من «عبدة الروتين» وأصحاب الفكر القديم الذي أثبت فشله، هناك عشرات القيادات المنتدبة بالوزارة منذ عصور ما قبل التاريخ، موجودون من عصر فاروق حسنى مثلاً، وهو من أفضل الوزراء لكن أزمته أن معظم تعييناته لم تكن استناداً إلى تقارير الأداء بل ارتكازاً على التقارير الأمنية الخاصة بالشخص وتقارير الشخص الأمنية الخاصة بزملائه! كما أن بعض هؤلاء استنفد الحد الأقصى القانونى لعدد سنوات انتدابه، ومع ذلك يتم التجديد لهم! فهل يتخلص الوزير من هؤلاء؟.. ربما.