أنا على استعداد لأن أسمعك وأحاورك بمنتهى الاحترام، سواء كنت تقبل وتؤيد أو ترفض وتعارض، لأنك فكرت وتأملت واحترمت عقلى وعقول الناس حولنا.. ولن أسمعك أو حتى أراك إن جريت مسرعاً وتصرخ رافضاً دون أى تفكير أو أسباب واضحة لمجرد الصراخ أو الاستعراض، أو لأن هذا هو الأسهل.. وبالتالى أحترم جداً كل الذين توقفوا أمام مسلسل حارة اليهود، وناقشوا أخطاء تاريخية، أو اختلفوا مع رؤية الصديق العزيز مدحت العدل كاتب المسلسل.. لكننى لم أفهم هؤلاء الذين فقدوا أعصابهم واتهموا المسلسل وأصحابه بالتطبيع السرى مع إسرائيل ومغازلتها لمجرد أنهم يتحدثون عن حياة يهود مصر فى مصر قبل ثورة يوليو.. والتطبيع هو إحدى اللافتات التى نرفعها كثيراً دون فهم ووعى حتى لا نضطر للتفكير أو لقراءة التاريخ.. وكراهيتى الدائمة لإسرائيل لا تعنى أن أقرأ تاريخ اليهود فى بلدى قبل أن تكون هناك إسرائيل..
ولا أعرف هل سيتطرق مدحت العدل للرياضة فى حياة يهود مصر أم سيكون مثل أستاذى وحيد حامد الذى قدم المسلسل الرائع بعنوان الجماعة عن الإخوان ومسيرتهم دون أى إشارة للرياضة، رغم أنها كانت أحد أهم أسلحة حسن البنا لبناء الجماعة وانتشارها.. وبالمصادفة كانت الرياضة هى ساحة الصراع الحقيقى بين الإخوان واليهود على أرض مصر.. فالرياضة كانت أهم نشاط اجتماعى ليهود مصر، ولا يعرف كثيرون حتى الآن حجم التاريخ الرياضى لليهود المصريين.. بداية من نادى مكابى الشهير الذى تأسس أصلاً فى القاهرة، وكان قبل تحوله لإسرائيل يلعب مع الأهلى والزمالك.. والأندية اليهودية التى شاركت فى مختلف المسابقات الرياضية المصرية الرسمية بما فيها كرة القدم.. وفاز نادى مكابى ببطولة مصر لكرة السلة، وإيزاك إميل ببطولة مصر فى الملاكمة، وكوهين نجار ببطولة مصر للتنس.. بل كان اليهود أبطالاً أوليمبيين يمثلون مصر ويرفعون علمها مثل سلفاتورى شيكوريل الذى شارك فى دورة أمستردام الأوليمبية 1928.. وللباحثة اليهودية عيدا أهارونى كتاب مهم عن اليهود المصريين حكت فيه عن جوايدو أشر، نجم المنتخب المصرى لكرة السلة، الذى قاده للعديد من الانتصارات فى أوروبا.. وكان اليهود هم أصحاب أول فيلم سينمائى مصرى يتحدث عن كرة القدم، هو فيلم «الرياضى» الذى كتبه وأخرجه توجو مزراحى وقام ببطولته شالوم عام 1937 عن شاب يهودى مصرى يحلم باللعب فى الاتحاد السكندرى مع سيد حودة..
والفيلم وثيقة سينمائية تاريخية مهمة عن نادى الاتحاد ونجومه، وكيف كان شكل المقر القديم للنادى الكبير.. وهناك كتب رائعة ناقشت ألعاب اليهود المصريين مثل كتابى تاريخ الرياضة فى فلسطين وتاريخ كرة القدم فى الشرق للباحث الفلسطينى عصام الخالدى.. وبالصور والمستندات وقصاصات الصحف يحكى عصام محاولات الصهيونية لاستغلال نجاحات رياضية ليهود مصر وكيف استغلت إسرائيل رفض المصريين الاعتراف باليهود منهم لتزوير التاريخ الرياضى الفلسطينى والمصرى أيضاً.. وهناك دراسة رائعة لأحمد السباعى عن الصهيونية والرياضة ومفاجآت كثيرة عن ألعاب اليهود فى مصر لم يهتم بها المصريون حتى الآن.. لأننا أصبحنا لا نريد أن نعرف أو حتى نفهم أى شىء.