حتى «رأفت الهجان» رفض حب الفاتنة «استر بولونسكى» مقدماً حب الوطن على عاطفته الشخصية، على نفس القياس يتوقع المشاهد أن يرفض الضابط المصرى حب الفتاة اليهودية فى «حارة اليهود»، فعلاقة الحب الشائكة هنا لا معنى لها أمام المسلمات الوطنية التى يراها المشاهد.
علاقة الحب بين مسلم ويهودية هى الصدمة الأولى للمشاهد فى «حارة اليهود»، قد يغفر المشاهد للفتاة اليهودية أن تحب الضابط المسلم كما فعلت «استر» مع «الهجان»، لكن عليه أن يرفض حبها بإباء، لا أن يبادلها الغرام، نفس المشاهد هو الذى نسى مع مرور الزمن ومع رقابة القنوات الأرضية لسنوات أن محمد فوزى فعلها قبل ذلك وتغنى بها أيضا فى فيلمه الكوميدى «فاطمة وماريكا وراشيل» الذى لا يُذاع لسبب يعلمه مسؤولو ماسبيرو، حين كان يشاغل ثلاثتهم فى نفس الوقت تحت اسم «يوسف»، الذى يتوافق مع الديانات الثلاث.
الأدب كان أكثر جراءة فى تناول تلك العلاقة لابتعاده عن مقص الرقابة، رغم أنه تأخر كثيرا فى تناولها، أذكر رواية للأديب السكندرى عمرو عافية صدرت قبل 10 سنوات- أى قبل ظاهرة البيست سيلر للأسف- بعنوان «حد الغواية»، تناول خلالها علاقتى حب وليست واحدة، الأولى بين مسلم ويهودية- كلاهما مصرى- يتزوجان فى المغرب بعد إعلان الكيان الصهيونى لدولة إسرائيل فى الأربعينيات، وقصة الحب الثانية لفتاة نصف يهودية نتاج الزواج السابق مع شاب مسلم فى سبعينيات السادات، ترصد الرواية الصادرة عن «دار ميريت» أسئلة جدلية عن علاقة الحب وهل تمثل أساسا صراعا مع الوطنية، أسئلة عن التعصب الدينى، والدولة القائمة على أساس عنصرى، وعن رؤية التيار الدينى وغياب الخط الفاصل بين اليهودى والصهيونى، فكل يهودى صهيونى بالتبعية، أذكر أيضا أن الرواية رغم جودتها وأسلوبها المميز تمت مهاجمتها من تلك النقطة تحديداً، علاقة الحب بين مسلم ويهودية.
بعد كل تلك السنوات تبقى مشكلتنا كما هى، لانزال نملك الأسئلة التى يطرحها المسلسل ولا نملك الإجابات، لانزال نملك نفس رؤية الجماعات الدينية لصهينة كل ما هو يهودى أو ما كان يهودياً، يمكنك ببساطة أن تتذكر تعليقات ميليشيات الإخوان وقياداتهم على الفنانة بسمة وعمرو حمزاوى، لمجرد أن جدها كان يهوديا وطنيا، لانزال فى نفس الخانة التى تتحرك فيها إسرائيل من حولنا بغزو مواقع التواصل الاجتماعى لعمل تطبيع شعبى، بينما نحن فى مرحلة من عدم الوعى وعدم الاهتمام، هل نمتلك كدولة استراتيجية للرد على أفيخاى أدرعى حين يتمنى لنا صوما مقبولا.. هل الأمثل أن يكيل له متابعوه السباب أم يتجاهلوه من باب المقاطعة؟.. وللحديث بقية.