المجددون في الإسلام: الشيخ محمود شاكر «شيخ المحققين» ضد التطرف.. ضد «قطب»

كتب: ماهر حسن السبت 27-06-2015 12:31

وصف الدكتور محمود الطناحى الشيخ محمود شاكر قائلا إنه رُزق عقل الشافعى، وعبقرية الخليل، ولسان ابن حزم، وشجاعة ابن تيمية، وبهذه الأمور الأربعة مجتمعة حصَّل من المعارف والعلوم العربية ما لم يحصله أحد من أبناء جيله، ثم خاض تلك المعارك الحامية ضد الدعوة إلى العامية وضد الخرافات والبدع والشعوذة التى ابتعدت بالمسلمين عن منهج السلف.

دخل شاكر معارك أملاها عليه ضميره العلمى والإيمانى، من بينها معركتان مع أستاذه طه حسين حول كتابى «فى الشعر الجاهلى» و«المتنبى» وهى معركة تصب فى خندق الأدب والعلوم اللغوية والتاريخ ومنهج البحث العلمى، ثم دخل فى معركة مع الدكتور لويس عوض، بعد نشره فى 1964 مجموعة مقالات فى الأهرام بعنوان (على هامش الغفران) وذهب فى كلامه إلى تأثر المعرى باليونانيات، وألمح إلى أثر الأساطير اليونانية فى الحديث النبوى، مما دفع شاكر إلى العودة إلى الكتابة بعد عزلة فرضها على نفسه، لبيان خطأ منهج لويس عوض، ثم انتقل للكلام عن الفكر والثقافة فى العالم العربى والإسلامى وما طرأ عليها من غزو فكرى غربى، واعتبرت مقالات شاكر فى ذلك حدثا ثقافيا مدويا كشفت عن علم غزير ومعرفة واسعة بالشعر وغيره من الثقافة العربية، وكانت هذه المعركة أوسع مجالاً حيث دخلها عدد من الأطراف بالنيابة عن الطرف الأصيل.

وفيما كانت معاركه الثلاث مع طه حسين ولويس عوض معارك علمية تتعلق بالهوية وبالحياد والمنهج البحثى فإن معركته مع المفكر الإسلامى الإخوانى سيد قطب كانت معركة تناهض المغالاة والتطرف والتكفير، فخاضها شاكر تحيزا للاعتدال وانتصارا لوسطية الدين ورفضا للتكفير وتأكيدا على رحمة الله، وكان سيد قطب- فى كتابه العدالة الاجتماعية- قام بتكفير بعض الصحابة وطعن فى معاوية بن أبى سفيان وأبيه وأمه وبنى أمية، وعمرو بن العاص، وأنكر هذا عليه الشيخ محمود شاكر فى مقال بعنوان (لا تسبوا أصحابى) وقال شاكر: «أسدى النصيحة لمن كتب هذا وشبهه أن يبرأ إلى الله علانية مما كتب وأن يتوب توبة المؤمنين مما فرط منه، وأن ينزه لسانه ويعصم نفسه ويطهر قلبه»، وعلى أثر هذا قام رجل منحاز لسيد قطب يدعى محمد رجب البيومى بالرد على محمود شاكر نيابة عن سيد قطب؛ لتدور رحى هذه المعركة الشهيرة.

هذا هو الشيخ محمود محمد شاكر الذى يلقب بـ«شيخ العربية» والمولود فى 1909 بالإسكندرية، وانتقل للقاهرة مع والده الذى عُيّن وكيلا للجامع الأزهر، بعدما كان شيخا لعلماء الإسكندرية، وقد تلقى شاكر تعليما مدنيا، ففى أولى مراحل تعليمه التحق بمدرسة الوالدة أم عباس فى القاهرة سنة 1916، ثم بعد ثورة 1919 إلى مدرسة القربية بدرب الجماميز، وفى 1921 دخل المدرسة الخديوية الثانوية، ثم التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية فى 1926، ثم سافر إلى جدة سنة 1928 مهاجرا، وأنشأ هناك ـ بناء على طلب الملك عبدالعزيز آل سعود ـ مدرسة جدة السعودية الابتدائية، وعمل مديرا لها، ثم استدعاه والده فعاد للقاهرة سنة 1929 واتصل بأعلام عصره، مثل: أحمد تيمور وأحمد زكى باشا والخضر حسين ومصطفى صادق الرافعى وعباس محمود العقاد الذى ارتبط بصداقة خاصة معه وانكب على قراءة كل ما يقع تحت يده من كتب السلف من تفسير لكتاب الله، إلى علوم القرآن، إلى دواوين الحديث، إلى ما تفرع منها من كتب مصطلح الحديث والجرح والتعديل وغيرها من كتب أصول الفقه وأصول الدين، وكتب الملل والنحل، ثم كتب البلاغة والنحو والتاريخ، ويعد شاكرعلى رأس قائمة محققى التراث العربى، وأطلق عليه العقاد المحقق الفنان إلى أن توفى يوم 7 أغسطس 1997.