تقول الأسطورة إن كل شيء يبدأ من اللاشيء، فلا تخشون الفوضى لأنها فرصة جيدة لإقناع الجميع بضرورة تأسيس نظام جديد.
العالم الآن يمر بمرحلة عماء وضبابية بحيث صار ملائما تماما لانتشار عصابات القتل والسرقة والاغتصاب.. نزلت الأيدلوجيات عن عرشها، وتحولت الحقائق إلى وجهات نظر، تنحى العقل، واكتأبت المبادئ، وتغربت اللغة، وتجرأت الفضائح والأكاذيب، وانفردت القوة بعرض العالم بعد أن أقالت القانون ووظفت مكانه بلطجي بلا ضمير اسمه «المصلحة».
* هل يعني هذا أن الإنسانية خسرت رهانها، وعليها أن تستعد للعودة إلى قانون الغابة؟
- يخطئ من يقدم إجابة قاطعة على أي سؤال في هذه المرحلة المرتبكة، فكل شئ يمضي خارج القواعد، لكن هناك طريقة مضمونة للنجاة من هذه المتاهة الملعونة.. إنها البساطة في مواجهة التعقيد، واعتماد الحياة العادية كمرجعية لكل قرار، فقد تلوثت النظريات وتلونت مواثيق السياسة والاقتصاد وشعارات الأخلاق.
جرب أن تسد أذنيك عن تصريحات الساسة، وتحليلات ضيوف الفضائيات، ووعود المسؤولين ورجال المال والأعلام الذين يحدثونك عن شئ لن يحدث لك أبدا في المستقبل، إنهم ببساطة يخططون لسرقتك وإفقارك لكي يزدادوا ثراء وتخمة، فأغمض عينيك عن إعلاناتهم وصور مشاريعهم، وتصورهم لتشييد حياتك بما يحقق مصالحهم.
الحياة بسيطة جدا، ويمكنك أن تعثر عليها بسهولة رغم كل هذه الفوضى، وتحت كل هذا الضباب، لأنها باختصار شديد موجودة بداخلك وليست في الخارج.
عليك فقط أن تفكر في الإجابة عن 5 أسئلة:
من أنت؟
ماذا تريد؟
من يساعدك في هذا؟
من يقف ضدك؟
هل لديك خطة وأدوات لتحقيق ماتريده؟
على المستوى الفردي ينصحك فلاسفة الوجودية بأن تعتبر نفسك مهندسا يريد أن يشيد مشروعا لنفسه، وعليه أن يفكر هل مشروعه منزلا أم مصنعا، أم جدارا في وجه الشمس؟، وهل يحقق له هذا المشروع هدفه الشخصي ويجلب له احترام المجتمع الذي يعيش فيه؟، وقبل ان يبدأ في وضع التصميم عليه أن يدرس البيئة التي سيبني فيها مشروعه.. الأمطار، درجة الحرارة، الرياح، مستوى الأمان، نوعية الخامات المتوفرة، والإمكانيات التي يمتلكها لإنجاز ذلك، ثم يحدد العوامل المساعدة، والعوامل المناهضة، وفي كل الأحوال عليه أن يتحمل نتائج المشروع الذي اختاره وصممه وشيده، وإذا لم يحقق له أغراضه وآماله، عليه أن يستخدم وعيه لتطويره دائما بما يلائم احتياجاته، ويحقق له أكبر درجة من التناغم والنجاح في بيئته.
يبقى أن تعرف أن هذا المهندس هو «أنت»، والمشروع الذي يجب أن تشيده وتتحمل مسؤوليته هو «حياتك»، والبيئة التي تشيد مشروعك فيها هي المجتمع، والوطن، والمرحلة التي تعيش فيها، وهذا التعريف الثلاثي للبيئة يعني أن تفكر في علاقة مشروعك بالناس الذين تعيش بينهم (البشر)، وكذلك علاقته بالأرض التي تعيش عليها من حيث الجغرافيا والقواعد السارية (المكان)، وأخيرا طبيعة العصر ومنجزاته وشروطه (الزمن)
هذه الطريقة مضمونة للفرد، وللدول أيضا، وبخصوص الفرد حاول ان تجربها بنفسك.
................................
* عثرت في مسوداتي على هذا المقال غير المكتمل (الحقيقة لا أعرف هل هو مكتمل أو غير مكتمل، ولا أعرف لماذا لم أنشره حين كتبته قبل عام تقريبا)
ما يهمني الآن أنني عثرت عليه في وقت مناسب، فليست لدي «نفس» للكتابة، ولا قدرة على العواء، ولا رغبة في مناطحة الصخر، لذلك أقنعت نفسي أن المقال مكتمل، ويصلح للنشر، وإذا وجدتموه ناقصا «بلاش تحِبكوها»، فالحياة كلها ناقصة، هاتقف عند مقال يعني؟!
كل عام وأنتم بخير يا برة مصر.
جمال الجمل
tamahi@hotmail.com