يظهر في الحلقة الثامنة، «قاسم»، الذي اكتشفنا في الحلقة السابقة، دون سابق إنذار، أنه «رأفت هجان فلسطيني»، وهو يقود سيارته لاستكمال عملية تهريب الضابط «علي»، وبينما يتحدث الفلسطيني خداعه للإسرائيليين طوال الفترة الماضية، وعن معرفته بالدروب التي يسلكها، والتي لا يعرف عنها الإسرائيليون أي شيء، قائلًا: «هذه أرضنا وبلادنا، هذه الطرقات انحفرت جوا قلوبنا وعقولنا»، فإذ به يجد نفسه أمام كمين للجيش الإسرائيلي.
يقفز الضابط المصري من السيارة، ليطارده الجنود الإسرائيليون المدججون بالسلاح، وفجأة تتغير الجغرافيا، دون سابق إنذار أيضًا، كما هو الحال مع أمور كثيرة في المسلسل، فينتقل الممثلون من أرض بها حدائق، إلى أرض صحراوية جافة، والأكثر غرابة في هذا المشهد هو مطاردة جنود إسرائيليين لضابط مصري أسير هارب، ويرتدي ملابس الجيش المصري، وتم التعامل معه على أنه شخصية خطيرة، دون إطلاق رصاصة واحدة، رغم أن الفارق بينهم لا يتعدى الأمتار ورغم أن كل الجنود الإسرائيليين مسلحون، حتى عندما يقفز الضابط المصري من فوق جرف يقرر الضابط الإسرائيلي العودة، بكل بساطة دون القبض عليه.
في الحلقة الثامنة من المسلسل، نجح القائمون على العمل في إظهار كيف صبت التفجيرات التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين ضد اليهود المصريين ومصالحهم، في مصلحة الصهاينة، وكيف كانت الحركة الصهيونية تستغل هذه الهجمات كما استغلتها في أماكن أخرى، حتى إن الحركة الصهيونية نفسها قامت بمثل هذه العمليات لحمل يهود بعض الدول الأخرى على الهجرة إلى فلسطين المحتلة، مثل عملية تفجير المعبد اليهودي في العراق، عام 1950، التي تم الكشف بعد ذلك أن من قام بها كانوا ضباط موساد إسرائيليين.
يتحدث «موسى» إلى أسرته، مستغلًا حادث تفجير محل والده «هارون»، قائلًا: «مش قلت لكم إن إحنا مضطهدين ومكروهين في البلد دي.. مكانا هناك مش هنا»، في محاولة منه لإقناعهم بوجهة نظره الصهيونية، ودفعهم، فيما يبدو، للهجرة إلى فلسطين المحتلة، لترد عليه ليلى قائلة: «معتقداتك خليها لنفسك بس متفرضهاش علينا».
ومما يُحسب لمؤلف المسلسل في هذه الحلقة أنه أشار إلى وجود طائفتين يهوديتين، هما اليهود الربانيون واليهود القرّائون، وأن ثمة خلافًا بين الطائفتين، يقضي بامتناع كل طائفة من الزواج من الأخرى، للدرجة التي تجعل والدة «ليلى»، وهي يهودية متدينة تقول: «دي تبقى القيامة قامت لما قرائي يتجوز ربانية.. ده المسلم أهون»، وعندما قال لها موسى: «قرائي إيه ورباني إيه يا أمي.. ما كلنا يهود»، ردت قائلة: «إوعى تقول كده.. دول في جهنم».
والخلاف بين الطائفتين «الربانيين» و«القرائين» يتركز بشكل أساسي حول الأحكام الدينية اليومية والمناسبات، كأحكام يوم السبت، بالإضافة إلى التقويم حيث يعتمد القرائون في تقويمهم على التقويم القمري، بينما يعتمد الربانيون على الحساب، ولذلك فإن رأس السنة اليهودية تختلف بين الطائفتين.
والربانيون يمثلون الطائفة اليهودية الأكبر في مصر وفي العالم كله، ويؤمن أتباع هذه الطائفة بالعهد القديم بأسفاره الـ 39، بالإضافة إلى التلمود الذي يضم 63 سفرا وينقسم إلى قسمين «المشناه» و«الجمارا»، وهو يضم شروحا للتوراة وأبحاثًا في العقيدة اليهودية والتاريخ الديني والقانون كتبها الحاخامات، ويؤمن أتباع هذه الطائفة أن التوراة التي نزلت على موسى منقسمة إلى قسمين توراة مكتوبة وأخرى شفهية، انتقلت من بعد موسى إلى الحاخامات بشكل شفوي حتى تم تدوينها بعد ذلك في القرنين الأول والثاني الميلادي وهي المسماه بـ«المشناه».
أما الطائفة الأخرى فهي طائفة اليهود القرائين، والتي نشأت في القرن الثامن الميلادي على يد عنان بن داود المولود في العراق، فيؤمنون بالأسفار الخمسة الأولى فقط من العهد القديم ولا يؤمنون بـ«التلمود»، الذي يعتبرونه من «أعمال البشر التي أدخلت على الديانة اليهودية لتحريفها سواء بقصد أو بدون قصد».
ما أخفق فيه مؤلف العمل بشكل كبير في هذه النقطة تحديدًا هو إظهاره اليهود القرائين كمنتمين لطبقة الأثرياء والباشوات، (ممثلين في صفوت) وأنهم يمولون الهجرات الصهيونية من مصر إلى فلسطين، رغم أن القرائين كانوا الأكثر اندماجًا في مجتمعهم المصري، لذلك كانت أسماؤهم مصرية لا يمكن تمييز الهوية الدينية لصاحبها، فنجد مثلًا رئيس طائفة القرائين بعد عام 1952 يُدعى عبدالعزيز خضر، ونجد أيضًا رئيس الطائفة الأسبق، إيلي مسعودة يؤكد في تصريح له عام 1989: «أنا مصري 100% من جدود مصريين يمتد تاريخهم إلى أكثر من 1000 سنة، تخرجت في كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول سنة 1939م وعملت بوزارة التموين حتى وصلت إلى منصب مستشار الهيئة العامة للسلع التموينية قبل الخروج إلى المعاش سنة 1977».
لم يكن اليهود القرائون في مصر من طبقة الباشوات بأي حال من الأحوال، كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى، ومن عاش منهم في حارة اليهود، كان يعيش في عطفة اليهود القرائين، وهي عطفة مازالت موجودة باللافتة التي تحمل اسمها حتى اليوم، ولم يكن لليهود القرائين نشاط صهيوني يُذكر تقريبًا، وعندما أدين أحد القرائين، وهو موسى مرزوق، في التفجيرات التي نفذها الموساد في مصر عام 1954، والتي عرفت باسم «فضيحة لافون»، تم اعتبار الشخص المذكور على أنه «فلتة»، كما يقول المناضل المصري الشيوعي اليهودي، ألبير أرييه.
والحقيقة أن اليهود القرائين دفعوا ثمن هذا الولاء لوطنهم عندما أجبر كثير منهم بعد ذلك على الهجرة إلى إسرائيل أو إلى دول أخرى، فلم تعترف بهم إسرائيل كيهود إلا في مرحلة متأخرة، وظلوا يتعاملون على أنهم من المجموعات الدينية الأخرى في إسرائيل، حتى إنه عندما وقعت عملية تبادل أسرى استلمت إسرائيل بموجبها جثث من أعدموا في قضية تفجيرات 1954، رفضوا دفن القرائي موسى مرزوق بحسب الشعائر اليهودية بدعوى أنه غير يهودي.
وأخفق المؤلف أيضًا بشكل كبير في الحلقة الثامنة في مشهد إنقاذ فتاة بدوية للضابط المصري الهارب من الأسر، والذي كان ينزف في الصحراء، إلى هنا يبدو الأمر طبيعيًا، أما ما هو غير طبيعي وغير منطقي أن تجلس فتيات بدويات فلسطينيات في خيمة بها رجال بدو مع رجل غريب، وما هو غير منطقي أكثر أن تقدم الفتاة البدوية بيدها لبن الماعز للضابط المصري المصاب ليشرب منها، وأيضًا أن تجلس الفتاة بمفردها مع الضابط في خيمة، ويتبادلان أطراف الحديث عن الحب والزواج، كل هذه الأمور لمن يعرف الثقافة البدوية جيدًا يدرك أنها غير منطقية، وسطحية إلى حد كبير.