هذا الشهر تطور معى. مع مرور الوقت. منذ كنت صغيراً. أذكر أول يوم قررت فيه الصيام. يومها قتلنى العطش. لم أستطع الصمود. أفطرت قبل المغرب بثلاثين دقيقة. كنت طفلاً. لم يكن يهمنى من رمضان إلا مظاهره. اللمة والزيارات. التواجد فى مكان واحد ساعة الإفطار. التخمة السريعة بعد أن كنت أتوعد المائدة كلها.
فى شبابى أسقطت أياماً دون صيام. تمرد. استهتار. لا أدرى. بعدها رزقت بأولاد. التزموا بالصيام. مما زادنى التزاماً لا فكاك منه. رأيت بورقيبة رئيس تونس فى التليفزيون. فى رمضان. تجرع كوباً من عصير البرتقال. قال إنه لا يستطيع العمل وهو صائم. لذلك جاهر بالإفطار. قال إن مواعيد العمل والعطاء يجب ألا يعطلها رمضان بأى شكل. من استطاع الصوم دون تقصير فى عمله فأهلاً وسهلاً. ولكن لن تتغير ساعات العمل.
بعد ذلك جاءت موضة ترف العمرة. فى كل عام أقوم بعمرة رمضان. أنا والأسرة جميعاً. الشيوخ والرجال والنساء. حتى الأطفال. بعد أن غادرنا الشيوخ جميعاً بدأت أقوم بهذه العمرات مصطحباً زوجتى وبناتى. فى عمرة أخيرة منذ ست أو سبع سنوات. تخلفت إحدى بناتى. عند عودتى جاءنى ظرف مغلق من شركة السياحة المسؤولة عن الرحلة. به مبلغ كان حوالى ثلاثين ألف جنيه. يردون فيه قيمة عمرة ابنتى التى عاقتها الظروف. ترددت كثيراً أمام هذا المبلغ. ترددت عن أن أعيده لحسابى. هذا المبلغ وهبته لغرض دينى بحت. أى وهبته لله. فكرت وبحثت حولى.
فى قريتى عرفت بحال أسرة معينة. أسرة واحدة أعرفها. ابنها دخل فى تجارة خسرت. كتب على نفسه شيكات باثنى عشر ألف جنيه. عجز عن السداد. تحول إلى هارب من مدينيه. نفس الأسرة كانت مدينة لبنك الائتمان الزراعى بثلاثة عشر ألف جنيه. سددت عنهم المستحقات للبنك وللشاب الهارب. بقى لدى خمسة آلاف جنيه من الثلاثين. قدمتها معاونة فى زواج ابنتهم. تحول حال الأسرة جميعاً. من حل إلى حال. منذ ذلك التاريخ توقفت عن أداء العمرة. وجدت أبواباً أولى بالرعاية والتقرب إلى الله. لكننى أضعف فقط إذا جاءتنى دعوة لحضور غسيل الكعبة. وهى رهن الظروف إذا سمحت.
كثيرون يقولون ليت رمضان كان طول السنة. أختلف وأنزعج. رمضان ليس نزهة. جعله الله لنجرب على أنفسنا المشقة والحرمان.
فى شبابى كانت السنة الدراسية طويلة – طويلة.
فى كهولتى الأيام تجرى. ورمضان أشعر به يتكرر، لا كل عام. بل كل أسبوع.